في تطور يهز الضمائر ويكشف الثمن الحقيقي للسلام، كشفت ندوة بحثية في مأرب عن سقوط 77 شهيداً ومصاباً من أبطال مشروع "مسام" السعودي خلال مهمتهم النبيلة لنزع 522 ألف لغم حوثي من الأراضي اليمنية. هذا الرقم المؤلم يكشف الجانب الخفي لعمليات الإنقاذ التي مكّنت من تطهير 72 مليون متر مربع - مساحة تعادل دولة البحرين كاملة. كل متر مربع محرر كلّف دماءً زكية ودموعاً من أُسر الشهداء الذين اختاروا الموت المحقق لينقذوا حياة الأبرياء.
يحكي خالد السعيدي، أحد خبراء المتفجرات الناجين، كيف نجا من موت محقق: "كنت على بُعد خطوة واحدة من لغم مدفون عندما انفجر جهاز الكشف. لولا رحمة الله لأصبحت رقماً آخر في قائمة الشهداء." هذه اللحظات المرعبة تتكرر يومياً في حقول الموت التي زرعها الحوثيون عبر 11 محافظة يمنية. الدكتور عبدالحميد عامر يؤكد أن "رفض الحوثيين تقديم خرائط الألغام يضاعف المخاطر ويحوّل كل عملية إنقاذ إلى مغامرة انتحارية." الاستثمار السعودي البالغ 126 مليون دولار في هذا المشروع وحده يفوق ميزانيات دول كاملة، لكن الثمن الحقيقي يُدفع بالأرواح.
منذ عام 2018، تحوّلت السعودية من مجرد داعم عسكري إلى شريك إنساني ملتزم بإعادة بناء اليمن من الأساس. الشيخ سنان العراقي يكشف أن إجمالي التمويلات السعودية تجاوز 11 مليار دولار - رقم يضع المملكة في مقدمة الدول المانحة عالمياً. هذا الاستثمار الضخم، الذي يفوق خطة مارشال الأمريكية نسبياً، وزّع على أكثر من ألف مشروع شمل البنية التحتية والصحة والتعليم. لكن الطريق نحو تطهير اليمن من إرث الألغام القاتل يحتاج عشر سنوات إضافية في أفضل الأحوال، وهذا إذا توقف الحوثيون عن عرقلة الجهود الإنسانية.
فاطمة الحربي، أم لثلاثة أطفال، تروي بدموع الامتنان: "اليوم أطفالي يلعبون في الحديقة دون خوف من الموت المدفون. بفضل شهداء مسام، عاد الضحك إلى بيتنا." لكن في المقابل، تستمر قصص الرعب في المناطق غير المطهرة حيث يواجه 30 مليون يمني خطر الموت المفاجئ. حسن القبيسي يشير إلى أن "كل يوم تأخير في تقديم خرائط الألغام يعني استمرار معاناة آلاف العائلات." المفارقة المؤلمة أن 32 فريقاً هندسياً يعمل بأكثر من 500 متخصص أغلبهم يمنيون، يخاطرون بحياتهم يومياً لإنقاذ أبناء وطنهم من إرث الحوثيين القاتل.
هذه التضحيات الجسام تطرح سؤالاً محورياً: إلى متى سيستمر دفع الثمن بالدماء؟ مع تكريم ندوة مأرب لمشروع "مسام" ومراكز الإغاثة السعودية، تتبلور رؤية واضحة لمستقبل الشراكة الاستراتيجية. 11 مليار دولار و522 ألف لغم منزوع و77 شهيداً وأكثر من ألف مشروع - أرقام تحكي ملحمة إنسانية حقيقية. لكن النصر الحقيقي لن يكتمل إلا بتطهير آخر متر مربع من الأراضي اليمنية، ولو كلّف ذلك سنوات إضافية من التضحيات. السؤال المصيري: هل ستكفي دماء الشهداء لإيقاظ ضمير العالم وإجبار الحوثيين على كشف خرائط الموت المدفون؟