في واقعة تكاد تكون منقولة من عمل سينمائي شهير، نجحت القوات الأمنية في مدينة عدن باليمن في الإطاحة بعصابة متخصصة في الاتجار بالبشر، تستغل الأطفال وتجبرهم على التسول في الشوارع من الصباح حتى ساعات الليل المتأخرة.
القصة التي كشفت خيوطها أمس تذكرنا بسيناريو فيلم "المتسول" الشهير الذي جسد بطولته الفنان عادل إمام، لكنها للأسف جزء من واقع مرير يعيشه بعض الأطفال في المدينة.
تفاصيل الحادثة:
كشفت مصادر محلية أن العصابة التي تم القبض عليها في عدن تتكون من مجموعة أشخاص يديرهم شخص يعيش في طيرمانة فاخرة بأحد الفنادق، حيث يمارس الاستغلال المنظم للأطفال.
وبحسب التفاصيل المتوفرة، فإن هؤلاء الأطفال يقضون يومهم بالكامل في التسول بشوارع المدينة، ثم يتوجهون في نهاية اليوم إلى مقر إقامة مدير العصابة لتسليم حصيلة التسول.
وأوضحت المعلومات الواردة أن زعيم هذه العصابة، الذي تبين أنه والد الأطفال المستغلَين، يفرض عقوبات قاسية على من يحضر منهم مبالغ مالية ضئيلة، في حين يعيش هو حياة مترفة داخل الفندق ويتناول الأطعمة الفاخرة.
هذا النمط من الاستغلال كشف عن وجه قبيح للاتجار بالبشر يتم تحت غطاء العلاقات الأسرية، مما يزيد من صعوبة اكتشافه وملاحقته قانونياً.
الوسائل المستخدمة من قبل العصابات:
أشارت المصادر المطلعة إلى أن هذه الواقعة ليست حالة معزولة، بل إن هناك عدة عصابات تمارس الاتجار بالبشر في عدن وضواحيها تحت ستار التسول.
والمثير للقلق أن بعض هذه العصابات لا تكتفي باستغلال أطفالها، بل تتعدى ذلك إلى شراء أطفال من قرى نائية، حيث تستغل الفقر المدقع لبعض العائلات التي قد تضطر لبيع أطفالها مقابل مبالغ زهيدة.
يذكر أن الأساليب التي تتبعها هذه العصابات متنوعة، إذ تقوم بتدريب الأطفال على أساليب استعطاف المارة، وتحديد أوقات وأماكن التسول الأكثر ربحاً، مع وضع حصص يومية محددة لكل طفل.
كما تتضمن هذه الأساليب أحياناً تشويه أجساد الأطفال أو إظهارهم في حالة مزرية لاستدرار العطف.
وقد أفاد متخصصون في مكافحة الاتجار بالبشر أن معظم الأموال المحصلة من التسول تذهب إلى مشغلي هذه العصابات، بينما لا يحصل الأطفال المستغلون إلا على فتات من تلك الأموال.
تشابه القصة مع فيلم المتسول
تبدو تفاصيل هذه القضية وكأنها مستوحاة من سيناريو فيلم "المتسول" الشهير الذي قدمه النجم عادل إمام في أواخر ثمانينات القرن الماضي.
في ذلك العمل السينمائي، تم تسليط الضوء على عصابات منظمة تجند المتسولين وتستغلهم بشكل منهجي، حيث جسد إمام دور شخصية "حسنين" الذي يبدأ كضحية ثم ينتهي به المطاف كزعيم لعصابة للتسول.
المفارقة المذهلة أن ما كان يُعتقد بأنه مجرد دراما سينمائية تبين أنه يحاكي واقعاً حقيقياً ما زال موجوداً حتى يومنا هذا، مما يدعو إلى التساؤل عن مدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع.
تُبرز هذه القضية أهمية تكثيف الجهود الأمنية والمجتمعية لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال في التسول.
كما تدعو إلى ضرورة سن تشريعات أكثر صرامة وتفعيل القوانين القائمة لمعاقبة المتورطين في مثل هذه الجرائم، خصوصاً عندما يكون المستغِلون هم من المفترض أن يكونوا حماة الأطفال.
وفي الوقت الذي تستحق فيه الجهات الأمنية في عدن الإشادة لنجاحها في تفكيك هذه العصابة، يبقى التحدي الأكبر في كيفية معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة، ووضع حد نهائي لاستغلال براءة الأطفال وحرمانهم من حقوقهم الأساسية في الحياة الكريمة والتعليم.