في مشهد نادر الحدوث، تجمد الدولار عند مستوى 47.42 جنيه وسط هدوء مريب يذكرنا بهدوء ما قبل العاصفة. هذا الاستقرار الاستثناءي - الذي لم نشهده منذ شهور - يخفي خلفه ترقباً حذراً لقرارات البنك المركزي المقبلة التي قد تهز أسس السوق خلال أيام قليلة. 11.884 مليار دولار احتياطي أجنبي يقف كحائط صد أمام تقلبات محتملة، بينما 136 مليون مصري يراقبون بقلق مصير عملتهم.
"هذا الاستقرار استثناء وليس قاعدة"، يحذر د. هاني توفيق، أستاذ الاقتصاد النقدي، بينما تشهد أروقة البنوك همساً متوتراً بين المتداولين. 19 بنكاً تقرر مصير اقتصاد بحجم مصر من خلال أسعار متقاربة بشكل مدهش - فارق 21 قرشاً فقط بين أعلى وأقل سعر، رقم قياسي في التوحد. محمد السيد، تاجر مستلزمات طبية يبلغ 45 عاماً، يتابع الشاشات بتوتر: "كل قرش زيادة في الدولار يعني خسائر بالآلاف في بضاعتي المستوردة."
الذاكرة تستدعي كوابيس 2016 عندما قفز الدولار من 8 إلى 18 جنيه خلال أسابيع، مما دفع بملايين المصريين إلى دوامة من ارتفاع الأسعار. اليوم، الوضع مختلف ظاهرياً - الاحتياطي الأجنبي ارتفع إلى مستوى قياسي يعادل الناتج المحلي لثلاث دول عربية مجتمعة. لكن الخبراء منقسمون: البعض يرى إشارات قوة، والآخر يحذر من أن هذا الهدوء مجرد سكون مؤقت قبل اجتماع البنك المركزي الحاسم نهاية الشهر.
فاطمة أحمد، ربة منزل تتابع أسعار الصرف يومياً، تلخص معاناة الملايين: "الدولار أصبح جزءاً من حياتنا اليومية مثل الطعام والشراب." كل مليم زيادة في سعر الصرف يترجم إلى مليارات إضافية على فاتورة استيراد السلع الأساسية - من الدواء إلى القمح إلى المحروقات. المستوردون يستغلون فترة الاستقرار لتسوية مشترياتهم، بينما المضاربون يراقبون بحذر، مدركين أن تأثير تغير سعر الصرف على الأسعار أسرع من انتشار النار في الهشيم.
بينما تواصل شاشات الأسعار الرقمية وميضها بنفس الأرقام المطمئنة، يبقى السؤال الأهم معلقاً في الهواء: هل هذا هدوء ما قبل العاصفة أم بداية استقرار حقيقي؟ الأسابيع القادمة ستكشف حقيقة اتجاه العملة المصرية، وقرارات البنك المركزي المقبلة ستحدد مصير ميزانيات الملايين. في عالم العملات، الاستقرار نعمة نادرة - لكن السؤال: إلى متى سيدوم؟