في تطور تاريخي لم تشهده المملكة من قبل، تعلن الهيئة الملكية لمدينة الرياض اليوم نتائج أهم قرعة عقارية في تاريخ العاصمة السعودية، حيث سيحصل آلاف المحظوظين على أراضي سكنية بسعر 1,500 ريال للمتر المربع فقط - رقم يقل عن أسعار السوق بنسبة تصل إلى 70%. هذه ليست مجرد قرعة عادية، بل ثورة حقيقية في قطاع الإسكان ستغير مستقبل 200 ألف أسرة سعودية خلال السنوات الخمس القادمة.
أحمد الغامدي، مهندس متزوج يبلغ من العمر 32 عاماً، يقف أمام شاشة هاتفه المحمول وقلبه يخفق بقوة. "هذه فرصة العمر"، يقول وهو ينتظر إشعار النتائج. أحمد واحد من مئات الآلاف الذين تأهلوا للقرعة بعد استيفاء الشروط الصارمة: الزواج أو تجاوز 25 سنة، عدم ملكية عقار سابق، والإقامة في الرياض لمدة 3 سنوات على الأقل. وفي مكان آخر من المدينة، تجلس فاطمة السلمان مع أطفالها الثلاثة تراقب الأخبار: "كنا نحلم بمنزل، لكن الأسعار جعلت الحلم مستحيلاً... حتى جاءت هذه المبادرة المباركة".
هذه المبادرة الثورية لم تأت من فراغ، بل جاءت استجابة مباشرة لأزمة إسكان خانقة تعيشها العاصمة السعودية، حيث وصلت أسعار الأراضي إلى مستويات قياسية تفوق 5,000 ريال للمتر في بعض المناطق. توجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإطلاق "منصة التوازن العقاري" في سبتمبر الماضي كانت بمثابة زلزال إيجابي هز أسس السوق العقاري. الدكتور عبدالعزيز الراجحي، خبير التخطيط العمراني، يؤكد: "هذا أكبر مشروع إسكاني في تاريخ المملكة، سيوفر ما بين 10 إلى 40 ألف قطعة سنوياً - رقم يعادل بناء مدينة كاملة كل عام".
التأثير الحقيقي لهذه المبادرة سيطال كل بيت في الرياض. الأسر الشابة التي كانت محاصرة بين خيارات صعبة - إما الإيجار الباهظ أو القروض المرهقة لشراء أراضي بأسعار فلكية - تجد اليوم نافذة أمل حقيقية. محمد العثيم، المحلل العقاري الذي توقع هذا التدخل الحكومي منذ شهور، يقول: "سنشهد انخفاضاً في الأسعار بنسبة 20-40% خلال الثلاث سنوات القادمة، وولادة أحياء سكنية جديدة ستعيد تشكيل خريطة الرياض العمرانية". لكن الصورة ليست وردية للجميع، فسارة المطيري، المعلمة البالغة 23 عاماً، تشعر بالإحباط: "لم أتمكن من التقديم لأنني لست متزوجة ولا أتجاوز 25 سنة... أشعر بالظلم".
بينما تستعد الرياض لاستقبال موجة تطوير عمراني ضخمة ستحولها إلى نموذج للعدالة السكنية بحلول 2030، تبقى الأسئلة الكبرى معلقة في الهواء. الفائزون في القرعة سيبدؤون رحلة جديدة نحو تحقيق حلم الملكية، بينما الآخرون ينتظرون الدورات القادمة. النصيحة الذهبية للفائزين: الاستعداد المبكر للتمويل واختيار مقاولين موثوقين، أما للآخرين فالأمل معقود على توسع البرنامج. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون هذه بداية عصر جديد من العدالة السكنية في المملكة، أم مجرد بداية لحل أزمة معقدة تحتاج لجهود أكبر؟
