الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٦ مساءً

صرخة في وجه أصنام الدعوة

أبو عز الدين الحجري
السبت ، ١١ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
لا يخفى على طلاب العلم قول الله سبحانه: " ومن يرتدد منكم عن دينه، فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وترتيب هذا الوعيد الشديد يدل على كون هذا الأمر من كبائر الذنوب, وأرشد الشارع الحكيم إلى عقوبة معجلة في الدنيا وهي القتل, وحكم الردة ليس من مسائل الخلاف فإن فيه نصوص صريحة منها ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ( من بدّل دينه فاقتلوه ) وما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود ( لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث, كفر بعد إيمان .... الحديث ) ولحديث أبي موسى في الصحيحين أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( اذهب إلى اليمن ) ثم أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال أنزل, وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا, قال كان يهودياً فأسلم ثم تهوّد قال: ( لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ), وحكي فيه الإجماع, وقد نقل الاجماع عشرات من الفقهاء في مختلف الأزمان منهم ابن المنذر في الاجماع والبغوي في شرح السنة والنووي في شرح صحيح مسلم وابن قدامة في المغني وابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع والسبكي في السيف المسلول.
واقرأ ما قاله سيد سابق - رحمه الله تعالى - في فقه السنة في حكمة قتل المرتد:

" الاسلام منهج كامل للحياة فهو: دين ودولة، وعبادة، وقيادة، ومصحف وسيف، وروح ومادة، ودنيا وآخرة، وهو مبني على العقل والمنطق، وقائم على الدليل والبرهان، وليس في عقيدته ولا شريعته ما يصادم فطرة الانسان أو يقف حائلا دون الوصول إلى كماله المادي والادبي - ومن دخل فيه عرف حقيقته، وذاق حلاوته، فإذا خرج منه وارتد عنه بعد دخوله فيه وإدراكه له، كان في الواقع خارجا على الحق والمنطق، ومتنكرا للدليل والبرهان، وحائدا عن العقل السليم، والفطرة المستقيمة.

والانسان حين يصل إلى هذا المستوى يكون قد ارتد إلى أقصى دركات الانحطاط، ووصل إلى الغاية من الانحدار والهبوط، ومثل هذا الانسان لا ينبغي المحافظة على حياته، ولا الحرص على بقائه - لان حياته ليست لها غاية كريمة ولا مقصد نبيل.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الاسلام كمنهج عام للحياة، ونظام شامل للسلوك الانساني، لاغنى له من سياج يحميه، ودرع يقيه، فإن أي نظام لا قيام له إلا بالحماية والوقاية والحفاظ عليه من كل ما يهز أركانه، ويزعزع بنيانه، ولاشئ أقوى في حماية النظام ووقايته من منع الخارجين عليه، لان الخروج عليه يهدد كيانه ويعرضه للسقوط والتداعي.

إن الخروج على الاسلام والارتداد عنه إنما هو ثورة عليه والثورة عليه ليس لها من جزاء إلا الجزاء الذي اتفقت عليه القوانين الوضعية، فيمن خرج على نظام الدولة وأوضاعها المقررة.

إن أي انسان سواء كان في الدول الشيوعية، أم الدول الرأسمالية - إذ اخرج على نظام الدولة فإنه يتهم بالخيانة العظمى لبلاده، والخيانة العظمى جزاؤها الاعدام.

فالاسلام في تقرير عقوبة الاعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ومتلاق مع غيره من النظم " انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

ولعل المشكلة لا تكمن في خفاء الحكم الشرعي بل في أمور أخرى لعل من ابرزها ما يلي: -

1- خوف أنصاف المتعلمين من الضغوط الغربية ومحاولة تحسين الصورة أمامهم والظهور بمظهر المعتدل, ونسي هؤلاء أن دساتير الأرض تقرُّ بعقوبة الخيانة العظمى ولم يحاولوا تقديم التنازلات والقرابين لتحسين صورهم فضلاً عن ارتكابهم المنكرات والظلم بلا رادع ولا حياء ولا خجل, وما تعانيه بلاد المسليمن اليوم خير شاهد.

2- الجهل بالنصوص الشرعية, والتخبط في فهم مقاصد الشريعة, فإن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس, وفي الردة إفساد للدين وفتح لباب التلاعب به أمام كل زنديق ومارق, والحدود الشرعية فيها الزواجر اللازمة للحفاظ على كيان المجتمع المسلم.

3- التتلمذ على كتب المستشرقين الذين يدسون السم في الدسم, ومن أخطر سمومهم ( تمييع مسالك الاستدلال لدى المسلمين وشغلهم بالشعارات الرنانة كالحرية والمساواة وتحرير المرأة وغيرها .... وجعلها ضوابط للاستدلال تقدم على النص الشرعي ) فتجد من ينتسب للدعوة يصادم النص الشرعي بدعوى المصلحة, ونسي صاحبنا أن المصلحة كلها في التزام الشرع, (( والله يريد أن يتوب عليكم )) (( يريد الله بكم اليسر )) (( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهوخير لكم .... )) (( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )).

4- نسيان أن لكل حكم شرعي حكمة, علمها من علمها وجهلها من جهلها, ونحن متعبدون بالنص لا بالعلل والحكم, فإن ظهرت لنا, كانت زيادة في تثبيت القلوب وترسيخاً للإيمان, وكل هذا التشريع من لدن (( حكيم خبير )), ولا يخفى ما لحكم قتل المرتد من حكمة بالغة تقدم الحديث عنها.

5- الهوى والنفس الأمارة بالسوء, تسوّغ للمبتدع الهروب من قواطع الشريعة إلى بطون الكتب لاستخراج زلات العلماء والفقهاء والبحث فيها عن مخارج لتدعيم الباطل الذي يحمله والزيغ الذي ينادي به, لأنه يعرف أن مواجهة الشريعة خط أحمر, ولن يتقبله حتى عوام المسلمين, وفي هذا المسلك من الخطر العظيم ما لا تحمد عقباه, فإنه يدعوا إلى تشكيك المسلمين في أصولهم ووضع مسائل الإسلام وكلياته على طاولة الأخذ والرد بحجة أنها مسائل خلافية.

6- غياب علماء الشريعة عن مواقع القرار في الصف الدعوي - إما بسبب زهد العلماء في التصدر أو تقصيرهم في مجال الدعوة أو تعمد إقصائهم -.

7- ولعل من الطامات وهي أعظمها في نظري: تصدر الجهال لمواقع التأثير في الصف الدعوي اليوم, الذين يعتقدون الخطأ ثم يبحثوا عن الدليل لمعتقدهم, ولا يخفى ما يحصل بسبب ذلك من ليٍّ للنصوص وتحميلها مالا تحتمل, وما ينتج عنه من التخبط والزندقة التي تفضي إلى إغواء الناس وحرفهم عن الصراط المستقيم.

8- وجود جملة من المطبلين الذين يهرفون بما لا يعرفون, حول هذه القيادات الجاهلة, يظهرون هذا الطرح المزري بصورة جميله, وأنه من الانفتاح المفيد الذي يخدم الدعوة, ولا ندري أهم أعلم أم الله القائل سبحانه: ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك )) (( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراطٍ مستقيم )) (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ... )) ولذلك حذر الله نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام من المداهنة (( ودوا لو تدهن فيدهنون )) وتوعده إن ركن إلى ذلك (( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا . إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ))

9- تمجيد رجال الدعوة وتقديسهم وأخذ الفتوى منهم, وعدم المناقشة أو مجرد المحاورة لما يرد منهم من توجيهات أو اجتهادات, على قاعدة العسكر نفذ ثم اعترض, يصل إلا حد اتخاذهم كالأصنام التي تعبد من دون الله, وإذا أصررت على الحوار حول ما يطرحوه من أفكار أو تعميمات, دخلت في قائمة المغضوب عليهم, واتهمت بأنك معادي أو مندس وفي أحسن الأحوال يجعلونك في دائرة فرد يمكن كسبه, وبمقابل هذا التقديس التهجم على علماء الشريعة والحط من قدرهم, وقد حاورت الكثير, فكان غالباً ما يرد في الحوار هذا تعميم من أصحابنا ونحو هذا الكلام – هذا مصطلح متعارف عليه في الصف الدعوي يعبر به عن القيادة العليا للعمل الدعوي في أي حزب أو جهة أو تنظيم – وجهل هؤلاء المساكين أن المعصوم هو محمد صلى الله عليه وسلم وأن علماء الشريعة هم مرجع الأمة وهم الذين أشهدهم الله على نفسه وقد ارتضاهم لحمل دينة أفلا نرتضيهم لإصلاح دنيانا.

10- الجهل بواقع الناس فتجد هؤلاء يتركون المفيد النافع للأمة, ويتصدرون لطرح هذه المواضيع, ولا يخفى أن فتح مثل هذه المواضيع وبالذات في الوقت الراهن يزيد من باطل الذين يتبعون الشهوات, والذين ينادون صراحة برفض مرجعية الشريعة والتحاكم إليها, وهذا من المعاونة المنهي عنها, قال تعالى: (( قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين)).

11- ضعف البناء الشرعي لدى كثير من الدعاة اليوم, فتولد عنه جهل مريب, من أبرز ثماره نسيان فريضة التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فما فائدة داعية وطالب علم لا يتوقف عن إلقاء الدروس والمحاضرات والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الناس, ثم تجده يسكت عن أخطاء قيادته الدعوية ويداهن في ذلك, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره.... الحديث).
فهلاّ مراجعة صادقة, ووقفة رشيدة, تعيد الحق إلى نصابه, فإن لم فثورة عارمة تقتلع كل من يتجرأ على نصوص الشريعة ولا يراعي مصالحها من سلم التصدر في صفوف الصحوة المباركة, أم أننا ثرنا فقط من أجل البطون ومن أجل فساد الحاكم, أوليس هذا الضلال أحق بالثورة والاعتصام, فإذا تحول من يُظن به حماية الشريعة إلى معول هدم لها فهل يصح السكوت, ومما يقوم به المطبلون التواصي على كبت الأفواه الصادعة بالحق, بدعوى لزوم النصيحة السرية, فهل هذا التغريب للأمة ما يزال في كتابات نادرة ومقالات متناثرة أم أنه أصبح فكرا متوارثاً ودعاته يتصدرون الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها وللأسف الشديد أن منها بعض وسائل إعلام الدعوة, فلماذا هذا النكير على من ينادي بالحق وينتصر للشرع.

اللهم ألهمنا رشدنا فأنت الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد وأنت حسبنا ونعيم الوكيل.