الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٥ صباحاً

نحو منهج راشد في التربية 1

أبو عز الدين الحجري
الاثنين ، ٢٣ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
نحو منهج راشد في التربية 1
عندما أنظر إلى حال شباب الصحوة في يمننا الحبيب أجدهم على قسمين:
قسم: يقدس النص الشرعي, ويجله, ويسعى لتحقيق مراد الله تعالى في ذاته, ومجتمعه البسيط من حوله, ولكنه في غفلة عما يدور حوله وحول أمته وما يتهدد كيانه, يشعر بالضعف من الداخل لدرجة أنه يؤثر البقاء خلف الصخرة ليسلم من صدمات المواجهة, ويترك الأسباب التي تخرجه من قوقعته لتقدمه للعالمين, وتكون رافداً من روافد تقوية الجبهة الداخلية لديه, ولما زاد انكماشه, رافق ذلك تصدر بعض قياداته لضرب الاجتماع باسم الإتباع, فظهر التصدع من الداخل وكبرت الفجوة وتوزعوا إلى فرق متعددة.

وقسم: تحدى ضعفه وانطلق ووقف أما الصخرة بل صار هو الصخرة التي تواجه التيارات المنحرفة, فعرف مكائد أعدائه, وخبر حيل المجرمين, ومراوغة الملحدين, ولكنه انشغل بصد الضربات ومدافعة الكوارث والنكبات عن بناء ذاته وأفراده في أسس الانطلاق وقواعد الثبات الأساسية, فاندثرت شيئاً فشيئا, حتى تحوّل الأمر البديهي إلى مغيّب والواضح إلى غير معلوم لدى الكثير من الأفراد, وهنا برز ميدان جديد للصراع وهو الصراع الداخلي, بين من يريد العودة والمراجعة ومن يريد التقدم والتطور بدون منهجية واضحة لهثاً وراء كل جديد ومسايرةً للحداثة بدون بناءً رصين, وفي هذا المفترق, كانت المفاجئة التي غفل عنها دعاة الحداثة, فالضربات الموجعة التي كانت تأتيهم بالأمس من الخارج, اليوم تأتيهم من الداخل ومن أفرادهم المقربين, فسعى بعض المنظرين للحداثة للي النصوص ومحاولة ضرب الإتباع بدعوى الاجتماع.

وأمام النقيضين:
ألا يحق ليمننا الحبية أن تحلم بمراجعة شباب الصحوة لمواقفهم, والالتفات قليلاً إلى أسس بنائهم, ليسطّروا المنهج التربوي الراشد.

المنهج الذي يؤسس لغرس العقيدة في النفوس, وتعظيم النصوص الشرعية في القلوب, ولتحقيق وتصحيح العبادة.

المنهج الذي يسعى لتقويم السلوك وتهذيب النفوس وتزكيتها وفق المنهج الشرعي التي ارتضاه رب العالمين.

المنهج الذي يضبط العقل, ويحرر الفكر من الانحرافات, ويزن الاتجاهات المختلفة بميزان الشرع الحنيف.

المنهج الذي يسمو بالجانب الدعوي لدى الفرد, ليحلق فوق مستوى الفهم الوظيفي المحدود للدعوة, إلى مستوى أداء مهمة الحياة والقيام بواجب البلاغ.

المنهج الذي لا يغفل الجانب السياسي, فيملك المتربي زمام الأمور في السياسة الشرعية من خلال التعليم والتدريب والتجريب.

المنهج الذي يدرب المتربي على تحكيم الشرع في حياته لينطلق منه إلى تطبيقه في مجتمعة.
المنهج الذي يعلمنا الانضباط في كل سياساتنا ووسائلنا الدعوية بضابط الشرع.

المنهج الذي يربينا على وزن الناس بميزان العدل ميزان الشرع وتحديد المواقف الواضحة منهم بناءً على هذا الميزان القويم.

المنهج الذي يدربنا على الصبر في تحمّل أعباء السير في طريق المصلحين ويقودنا إلى مزيد من التقرير والتحبير للمنهج التربوي الرشيد.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وأخذ بنواصينا للبر والتقوى.

--------------------

نحو منهج راشد في التربية 2
لماذا الحديث عن هذا الموضوع:
ظهرت في الآونة الأخيرة نتوءات خطيرة في صفوف شباب الصحوة, من أبرز مظاهرها:

• السطحية في مجال الإيمان والاعتقاد, حتى صار هذا المجال بمثابة تخصص لا يلزم الجميع تعلمه, لدى تيار كبير فيها, رغم أنه - بالجملة - مما لا يسع المسلم جهلة, ويقابله تخصص مطلق في هذا المجال, يكاد يكون هو المحور الوحيد التي يتربى عليه الشباب لدى بعض التيارات الأخرى.

• الاختلال الشائع في فهم منهج الاستدلال والتعامل مع النصوص فتجد التخبط العظيم في كتابات أبناء الصحوة, ينبئ عن التتلمذ على الصحف والمجلات وليس على العلماء.

• عدم فهم نواقض الإسلام, أو العلم بها.

• الضعف في الجانب التعبدي, فتصحيح العبادة لم يعد من أولويات التربية, فتجد الخطيب يستمر خمسة عشر عاماً على منبر هذا المسجد بينما جار المسجد لا يحسن الوضوء ولا الجلوس بين السجدتين, لأن صاحبنا لم يطرح الموضوع مطلقاً!!!! ولو جلست مع كثير من شباب الصحوة لوجدتهم لا يحسنون العبادة كما شرع الله, لأن العبادة لديهم موروث من الآباء والمجتمع وما تيسر من المنهج المدرسي, وليس من حلقات التربية, إذ ليست هذه أولويات المرحلة, ولا أدري أي مرحلة ستكون هذه الأمور من أولوياتها.

• الاختلال في الجانب السلوكي والأخلاقي, فلا ضير بأن يكون فلان من شباب الصحوة مع أنه يشرب الدخان ... الخ .. أو يسمع الأغاني الماجنة بحجة وجود فتوى ... وساعد على انتشار ذلك عدم اعتماد الانضباط الخلقي كمعيار للاختيار.

• الانحراف في المجال الفكري والمنهجي بحيث يمكن لابن الصحوة أن يتكلم عن الشريعة كما شاء عرضاً ونقداً بدون علم ولا بصيرة ولا أدنى تخصص, بدعوى ضرورة المرحلة ( وأذكر أن البعض ينقل كلام الشيخ راشد الغنوشي للاستدلال به _ متناسياً أن الغنوشي يقول ذلك والعالم يتكالب على جماعته ويريد الهجوم عليه في أي لحظة – فالرجل للضرورة يقول كلاماً ليدفع مفسدةً محققة وليجلب مصلحة محققة ) أما توكل كرمان وغيرها فماذا تريد أن تدفع ومن الذي اضطرها لقول ما تقول هي أو غيرها, ورحم الله سيد قطب, فقد دفع حياته ثمناً لدفاعه عن حياض الإسلام من هجمات شرسة, وللأسف اليوم يتبنى نفس الهجمات بعض أبناء الصحوة.

• ظهور قلة الأدب مع المخالف, بل مع العلماء, وعدم وزن الأشخاص والأقوال بميزان الشرع, ورعاك الله يا شيخ عبد السلام الخديري حين قلت لبعض إخوانك ( تخافون من الناس لعلمهم وجهلكم ).

• ظهور تيار من أبناء الصحوة لا يعيش إلا في المقرات والجمعيات, فإذا فصل من عمله أو استغني عنه, ترك الدعوة, بل أن منهم من انحرف والعياذ بالله, وهؤلاء هم دعاة الخشبة, والعجيب أنهم الأكثر نصيباً في الترقي, لأن من ضمن المعايير لدى الجماعات كثرت الحضور والملازمة, وليس المكانة العلمية والدعوية والانضباط الشرعي والدعوي.

• التخبط في فهم أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد, فتجد من يطرح وسيلة بدعية ومخالفة للقواطع من نصوص الوحي بدعوى الوصول للهدف النبيل.

• التشويش المريع في فهم مسألة الاختلاف الفقهي وأين تكمن الرحمة فيه, مما تحول إلى دين لدى الكثير, ومبرر لمخالفة نصوص الشريعة, فتجد من لا يحسن الوضوء يناقش في قضايا لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر, ويقول بكل برودة, المسألة خلافية, والمعنى في بطن الشاعر – يعني أنا حر آخذ بهذا أو هذا أو أخالف الجميع, المهم أن المسألة خلافية -.

• ظهور تيار المتعالمين, الذين يبادرون في تصدير الأحكام وتنزيل الفتاوى على الأعيان, بل ومنهم من يطالب بتطبيق الحكم الصادر عن فتواه على رقاب الناس, مما ينبئ عن خلط بين منزلة الفتوى ومنزلة الحكم والقضاء في الشريعة لديهم.

• ظهور تيار الحداثة والتجديد الغير منضبط, وتسلطه على وسائل الإعلام لدى بعض وسائل إعلام الصحوة المباركة, ويقابله إحجام أو تحجيم للمصلحين وطلاب العلم من تصدر هذه الوسائل, مما ينبئ بخطرٍ عظيم قادم من توسع هذا التيار المتساهل.

• استعجال النتائج, وكثرت القانطين, وهم تيار المتعجلين, لإغفال التربية على الصبر والثبات.

• بروز ظاهرة الجمود لدى القيادات, وعدم إفساح المجال للقيادات الوسطى بسبب ثقافة الأبوية الزائدة لدى الشيوخ.
وفي جعبتي المزيد ولكن أظن أن ما ذكر يكفي ليبرر طرح الموضوع, ويظهر أننا بحاجة لوضع معايير للمنهج التربوي الرشيد, على ضوء الكفايات التي نأمل تحققها في شباب الصحوة المباركة.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وأخذ بنواصينا للبر والتقوى.