الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٩ مساءً

روبابيكيا الحوار

د. ثري إبراهيم جابر
الأحد ، ١٧ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
روبابيكيا كلمة أبدأ بها مقالي كما بدأت بها عنواني، كثير منا سمع بها وعرف معناها فطالما سمعناها نحن العرب في الأفلام والمسلسلات المصرية ونحن نتابعها بشكل يومي قبل انتشار الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية المتنوعة، وارتبطت الكلمة بالرجل الذي يجر عربة أو يحمل على كتفه سلة بها مواد مستعملة، ويعرض على الناس أن يشتري منهم أي شيء مستهلك هم في غنى عنه من ملابس وأوراق وكتب ومتعلقات المنزل من أساس وأدوات المطبخ... ويقوم بدوره بعرض هذه الأشياء القديمة التي قام بشرائها بعد أن يقسمها حسب نوعها إلى مشتري آخر محققا عائدا ماديا من هذا الأمر.
ونحن لا نزال نعيش أجواء الثورات العربية التي بدأت منذ سنتين وبصراحة لا أعلم متى سوف تنتهي من مرحلتها الأولى مرحلة الفوضى والصراع والتناحر إلى مرحلة جديدة تكون سمتها التعاون والبناء.

فهذا الرجل الذي يجر العربة وينادي بكلمة روبابيكيا، نجده الآن في كل دولة من دول الربيع العربي ينادي وإن كان بكلمة جديدة؛ ألا وهي "الحوار"، والحوار كلمة أصيلة في تراثنا العربي، ينشرح لها الصدر ويرق لها القلب، ومن هذا استغلها بائع الوربابيكيا لينادي بها في تلك الدول، وتتمثل شخصية البائع هنا بكافة الجهات ذات التأثير بما يحدث بتلك الدول، سواء أكان الحكومة ومن يعاونها ويؤيدها في الداخل والخارج وكافة أذرعتها ذات العلاقة. أم المعارضة بكافة أطيافها واتجاهاتها المتناقضة والمختلفة في ذات الوقت أو المتفقة على أجزاء وتصورات.

بائع الروبابيكيا هنا ينادي بالحوار خالقاً نوعاً من التعاون مع الأطراف التي تلبي دعوته محققا مصلحة له ولغيره ممن باعه واشترى منه. ففي تونس جاءت حادثة اغتيال شكري بلعيد، لتؤكد أن الثورة لاتزال مستمرة وعلى جميع القوى السياسية أن تستمع إلى رجل الروبابيكيا، ويمكن أن نعتبر مبادرة رئيس الوزراء حمادي الجبالي بتوسيع الحكومة بعناصر من "التكنوقراط" قد وفرت تلك القناعة بضرورة الحوار السبيل الوحيد لحل أي أزمة وصولاً إلى تونس الثورة الدولة الجديدة.

وليست مصر ببعيدة عن تونس، فبائع الروبابيكيا هنا يواجه خصما له يجعل من صوته ضعيفا وغير مسموع، فنرى في الإعلام المصري بأطيافه المختلفة أداة لتحريك الفوضى، وإثارة النزعات والفتن، وتبادل الاتهامات التي وصلت إلى حد التخوين. وكل ذلك ينعكس على أمن الوطن والمواطن، وبالتالي ينعكس بالسلب على كل الأطراف، ولا يخدم مصلحة أي طرف، ما يؤكد على ضرورة الاستماع إلى رجل الروبابيكيا باعتبار أن السبيل الوحيد للخروج من تلك الأزمة يكون في الحوار والجلوس على طاولة تطرح عليها كافة القضايا المتعلقة بما يعاني منه البلد ومواطنيه، بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة.

وبالاتجاه إلى البحرين، فقد استمعت كافة الأطراف إلى رجل الروبابيكيا واتجهوا إلى الحوار مؤكدين على أهمية الخروج بنتائج ايجابية من هذا الحوار. فنأمل أن يحقق رجل الروبابيكيا نتائج طيبة لجميع المتعاونين، والتوصل إلى اتفاق نهائي حقيقي يحقق مصالح جميع المشاركين، وألا ينسحب أحد من المشاركين ويستمر الحوار ليحقق آماله وأهدافه.

وأما اليمن السعيد فقد عبرت وصرحت جميع الأطراف هناك عن استماعها لرجل الروبابيكيا واستعدادها للتعاون معه فيما ينادي به، وعبرت في نفس الوقت عن أن يحقق الحوار الوطني الأهداف المرجوة منه وتحقيق كافة بنود المبادرة الخليجية وإخراج البلاد مما هي فيه منذ عامين كامليين. فنرجو أن يكون حواراً وطنياً حقيقياً يناقش كافة القضايا والاشكاليات، ويتحلى الأطراف المشاركين بروح معنوية عالية لا تؤدي الجلسات العديدة ولا المشاكل الكثيرة التي يعاني منها اليمن إلى إضعاف قوتهم ولا فتور عزيمتهم. فالوطن يستحق كل غالي وثمين.

وفي نهاية حديثي أتوجه ببضع كلمات إلى رجل الروبابيكيا الفلسطيني، وأقول له وأنت تنادي وتجد من يستمع إليك فلا تبخس الناس أشياءهم واستثمر كل ما يقدم لك من بضاعة لتحقق مصلحة لك ولمن يتعاون معك.