الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٧ مساءً

الأمير مقرن نائباً ثاني لرئيس مجلس الوزراء

د. ثري إبراهيم جابر
السبت ، ٠٢ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
شهدت المملكة العربية السعودية حدثاً كبيراً يوم الجمعة متمثلاً بتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، بعد شغور لهذا المنصب منذ تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء في أكتوبر 2011م والذي كان يشغل منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. ويعد منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأهم بعد الملك وولي العهد في هرمية الحكم في المملكة، فالملك هو ذاته رئيس الوزراء وولي العهد هو النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ويشكل مجلس الوزراء مع الملك السلطة التنفيذية والتشريعية للمملكة، بينما يتولى مجلس الشورى إبداء الرأي في السياسات العامة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء.

والمملكة العربية السعودية تعتمد الشريعة الإسلامية أساساً للحكم فيها، وتحدد المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم الذي أصدر في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في مارس 1992 آلية انتقال السلطة حيث تنص على "نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ملكي، ويكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويختار الملك ولي العهد ويعينه بأمر ملكي، ويكون ولي العهد متفرغا لولاية العهد وما يكلفه الملك من أعمال، ويتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة". والنظام الأساسي للحكم هو مجموعة من القواعد التي تبين إسلامية الدولة، ونظام الحكم فيها (ملكي) وانواع السلطات والعلاقة بينها، وواجبات الدولة، وحقوق الأفراد.

وضمن إطار مساعي الملك عبد الله للإصلاح فقد سبق وأصدر مرسوماً ملكياً بتشكيل هيئة البيعة، وهي هيئة سعودية تعنى باختيار الملك وولي العهد السعودي، تتكون من أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود، تأسست في 20 أكتوبر 2006م، ويرأسها الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود، وأمينها العام خالد بن عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري.

واستكمالاً لعملية الإصلاح تلك تم تعدل الفقرة (ج) من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم لتكون بالنص الآتي:(ج - تتم الدعوة لمبايعة الملك، واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة). وبعد عام على تشكيلها، أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز في أكتوبر 2007م لائحة تنفيذية تحدد آليات تطبيق نظام هيئة البيعة.

ويمكن اعتبار هذه الآلية ضامنة وحافظة للحكم السعودي وسلاسة انتقال السلطة بالمملكة، فقد سبق وطبق الملك عبد الله هذه الآلية بعيد وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز واختار الأمير نايف في أكتوبر 2011م ولياً للعهد والذي كان يشغل منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء قبل ذلك التاريخ، على الرغم من وجود ستة من أبناء المؤسس للمملكة أكبر منه سناً وبذلك يحقق نص المادة الخامسة والخاصة بآلية اختيار من يشغل المناصب الدستورية في المملكة وفقاً لمبدا (الأصلح، لا الأكبر سناً) وتمت عملية انتقال السلطة هنا بشكل سلس، قاطعة كل الشبهات والتساؤلات حول تداعيات القرارات والمراسيم التي يتخذها الملك. وتم الأمر ذاته عند وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز وتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز في يونيو 2012م ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء بناء على نفس القاعدة وبنفس الآلية (الأصلح لا الأكبر سناً).

إلا أنه لا يوجد تسلسل رسمي للخلافة في المملكة بعد الملك وولي العهد، ووفقاً للقواعد التي وضعها الملك عبد الله العام 2006م يتعين أن تحدد الخلافة في المستقبل بمساعدة مجلس من الأسرة الحاكمة، ومعنى هذا أن من يتولى منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء لن يصبح بالضرورة ولياً للعهد بعد وفاة الملك كما كان يحدث من قبل.

الأمير مقرن بن عبد العزيز الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، والابن الأصغر لمؤسس المملكة من الذكور الأحياء، الذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات السعودية قبل أن يعفيه الملك من منصبه ويعينه مستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، أصبح النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وبهذا المنصب فإنه سيتولى إدارة الشؤون اليومية للمملكة في حال سفر أو مرض الملك وولي العهد.

ويحمل هذا التعيين العديد من الدلائل والإشارات المهمة، وهو صاحب الرؤى والأساليب الحديثة في الإدارة والتطوير، صاحب الحنكة السياسية العالية المتراكمة نتيجة لحياته العملية التي تنوعت في مجالاتها من الطيران العسكري للإدارة الحكومية ثم الأمن الوطني، حنكة تظهر في قدرة الأمير على استقراء الوضع السياسي، فشخصية الأمير في حد ذاتها من أهم الإشارات التي توضح أهمية هذا التعيين، كما وتمثل أهمية المنصب وعدم بقاءه شاغراً خاصة في ظل ما تعيشه المملكة والمنطقة إشارة أخرى لتلك الأهمية، ويسبق ذلك كله استمرار الملك عبد الله بن عبد العزيز في مسيرة الإصلاح التي ينتهجها في حكمه الميمون.

فالملك برؤيته الحكيمة أعتقد أنه يرى في تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز خدمة للمصلحة العامة، فهو صاحب الجهود الإصلاحية والتنموية على كافة الأصعدة، صاحب الثقة العالية والكبيرة التي يتمتع بها من قبل شعبه وهو الحريص دائما على خدمة المملكة، والذي يعمل جاهداً من أجل تقديم كافة الوسائل والإمكانيات التي تدعم أمن واستقرار المواطن والوطن.

حفظ الله المملكة وأولي الأمر فيها، وأبقاها نبراساً مضيئاً للأمة الإسلامية.