الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٦ مساءً

بالفساد السياسي بات قانون المنطقة الحرة " ملطشة"

أحمد عبدالله القاضي
الجمعة ، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
يخطئ من يعتقد بأن الفساد له شكل واحد فقط وهو الفساد المالي والذي يظهر في صورة رشوة أو اختلاس مال عام أو عمولة ؛ وسبب العجز الكبير الذي مُنيت به الجهات المخولة بمكافحة الفساد في اليمن هو أنها جميعها من دون استثناء أعطت وزناً اكبر لمكافحة الفساد المالي ووجهت كل طاقاتها البشرية والمادية صوبه وأغفلت الفساد السياسي .

نظرياً... الفساد السياسي يُقصد به باختصار شديد .." الانحراف بالأسس وبالمبادئ والأهداف والتوجهات التي يبينها القانون المنظم لوظائف أية شخصية اعتبارية " أكانت هذه الشخصية الاعتبارية هي الدولة أو الحكومة أو وزارة أو مؤسسه أو هيئة أو حتى منظمة مجتمعية أو تعاونية. هذا هو الجانب النظري ، أما على الصعيد العملي ، فمن يريد الإحاطة بواحد من الأمثلة الحية لممارسة الفساد السياسي في اليمن ، فليقرأ بهدوء وبدون ملل هذه المقالة ويتمعن في فقراتها الختامية.

لقد برز موضوع دبي والميناء مرة أخرى على السطح ؛ ففي يوم واحد وهو الحادي عشر من ديسمبر 2012 نطالع في الصحافة المحلية ثلاث أطروحات – حول الموضوع ، أهمها في اعتقادي ظهور وزير النقل الأسبق الأستاذ صالح عبدالله مثنى مطالباً مع القوم بالكشف عن وثائق الاتفاقيتين مع دبي وحاملاً رسالة إلى وزير النقل الحالي دكتور واعد باذيب فيها النصائح ذاتها التي ضمنتها مقالاتي الأخيرة وضم الأخ مثنى صوته أليها وأبرزها أن يبحث الميناء عن " زبون" وليس عن " مدير" للميناء، أو بعبارة أخرى، يكون هذا الزبون شركة ملاحية وتمتلك أسطولا من سفن الحاويات مثل شركة Emma Maersk التي تشغل وتدير ميناء صلاله ( سلطنة عمان ) وتمتلك سفن حاويات من جيل ما بعد مالكا Malacca max يصل طولها 470 متراً وعرضها ستون متراً وتحمل أكثر من 500و14 حاوية TEUs هذه الشركة وشبيهاتها قليلة في العالم ويمكنها إدارة وتشغيل ميناء عدن بكفاءة عالية سيما وميناء عدن يزخر بكفاءات محلية متدربة تعود خبراتها إلى عهد الاستعمار البريطاني في عدن حينما كانت دبي في علم الغيب .

تطرق الأخ صالح مثنى إلى المنطقة الحرة عدن ، جزاه الله خيراً ، في أكثر من فقرة في حديثة المشار أليه رابطاً مصير ميناء الحاويات بمصير المنطقة الحرة عدن .... وهو الأمر الذي يتحاشاه الجميع ولكنني لم أهمله في كل مرة أكتب فيها عن ميناء عدن ، لأن ميناء عدن والمنطقة الحرة عدن هما وجهان لعملة واحدة . ولقد سبق لي وأن نبهت إلى خطورة تجاهل الحكومة للمنطقة الحرة عدن في أي مشروع يتعلق بتطوير ميناء عدن بصفة عامة وبمحطة عدن للحاويات (ACT)Aden Container Terminal وهذا أسمها الأصلي الذي تحول لملاءمة وزارة النقل إلى "ميناء الحاويات "، بصفة خاصة.

شركة دبي العالمية دمرت ميناء عدن اقتداءاً بسلوك حكومتي 2004و 2007 اليمنيتين اللتان دمرتا " هيبة" القانون اليمني. فحكومة تستهين بقوانينها تستهين في الوقت نفسه بأهم رموز سيادتها الوطنية ، ولذلك تستحق أن يستهين بها الغريب، ويصبح حالها كما قال الشاعر كحال " الميت" لا يؤلمه الجراح ( ما لجرح بميت إيلام).

محطة عدن للحاويات ACT هي أول مشروع وأكبر مشروع نفذته إدارة المنطقة الحرة عدن وكانت تعمل بنجاح وهدوء تحت مظلة قانون المنطقة الحرة رقم (4) لسنه 1993م في محيط ميناء عدن على موقع حدده لها القانون بواسطة قرار مجلس الوزراء رقم (65) لسنة 1993م
وعلى حين غرة فاجأتها حكومة 2004م وخلعت تلك المظلة بقرار إداري قبلي مناطقي باطل دستورياً ( هنا بداية " الانحراف" أول خطوات الفساد السياسي ) ورمتها في " الخبت" ولكنها في ما بعد استدركت بأن تلك " المظلة" كانت " مظلة" غير عادية مظلة ثمينة سوف تستفيد منها فهرعت إلى " الخبت" وأمسكت بها قبل أن تُطيرها الرياح إلى المحيط. أخذت المظلة واهدتها لوزير النقل وأمرته بأن يقعد تحتها ويشرف على إدارة محطة عدن للحاويات ACT من تحت هذه المظلة – قانون المنطقه الحرة – وليس من تحت مظلة قوانين النقل
( ثاني خطوات الفساد السياسي)

(( وبالمناسبة لا يوجد حتى الآن قانون لميناء عدن، وهذا عيب كبير على الوزارة، فميناء عالمي بهذا الحجم يجب أن يكون له قانون خاص مستقل به واذكر أنني ساهمت مع وكيل وزارة النقل الدكتور أحمد عبد القادر ومدير عام ميناء عدن الدكتور نور الدين فخري وخبير من البنك الدولي في لجنة صياغة قانون ميناء عدن في بداية هذا القرن ولكن أهمل المشروع لأن الوزارة لم تكن راغبه في تميز ميناء عدن بقانون خاص))

واستتر "الوزيرئذ " ومن جاء بعده من وزراء النقل بمظلة المنطقة الحرة تاركين أصحابها الأصليين تحت هجير الشمس الحارقة إلى أن جاءهم الثعلب الإماراتي فأحتال عليهم جميعاً وأخذ المظلة واستتر هو تحتها وأدار عملياته الشريرة تحت ظلالها الظليلة وكسب مئات الملايين من الدولارات الأمريكية سواء في ميناءه في جبل علي أو في ميناء المغفلين في عدن ، بفضل تلك المظلة( أول نتائج الفساد السياسي) وأي مراقب ولو من بعيد ( من الجيران في الإقليم ) معه ذره من العقل في رأسه سوف يندهش بدون أدنى شك أمام هذه الظاهرة... حكومة بلياردو تلعب لوحدها بدون منافس تدخل الأحجار في الحُفر التي تختارها دون أن تتعلم قانون اللعبة حتى أتاها من يعرف قانون اللعبة وكسبها وأخرجها من اللعبة فالذي يبقى في لعبة البلياردو دائما لاعب واحد فقط .. الأكثر مهاره !!

هذه التشبيهات مبنيه على وقائع حصلت في قضية دبي، يمكن تبسيطها من خلال هذه التساؤلات :
(1) تحت أي نص قانوني يا تُرى أسست حكومة2004 كسلطة تنفيذية خطوتها بتجريد المنطقة الحرة من أساس وجودها عندما سلخت محطة عدن للحاويات من إدارة المنطقة الحرة وحولتها إلى وزير النقل؟!

هذه السلطة تقع في يد البرلمان وحده والبرلمان لا يمكن أن يمارس مثل هذه السلطة ألا بمقتضى قانون وليس قراراً أو لأئحه. فنزع مشروع من مشاريع المنطقة الحرة وتحويل إدارته إلى جهة عامة أخرى ينطوي على إلغاء قانون المنطقة الحرة أو على الأقل يتطلب تعديل أجزاء منه والإلغاء والتعديل كل منهما سلطة تشريعية وليست تنفيذية.

هذه السلطة التشريعية اختطفتها حكومتئذ من يد البرلمان اليمني مطيحة بأهم مبدأ دستوري وهو مبدأ الفصل بين السلطات! أفليس هذا انحرافاً عن الدستور .. أو بكلمات أخرى، فساداً سياسياً؟!

(2) تحت أيه ذريعة قانونية أو مجرد ذريعة مقبولة بالمنطق وبالعقل قامت الحكومة بتمليك جهة من الجهات العامة الحق في أن تطبق قانون المنطقة الحرة ولم يختارها القانون ذاته بل حصر تطبيقه في يد مجلس إدارة هيئة المنطقة الحرة وكان كل أعضاء المجلس أحياءاً وقادرين على العمل ؟!

مرة أخرى لا توجد هذه " الذريعه" ومهما بلغت " فهلوة" الحكومة فلن تهتدي إلى خلق مثل هذه الذريعه إلا إذا كانت البلد في حالة حرب ضروس مع دولة أجنبية وليست حرباً داخلية .

أما قيام وزارة النقل بتطبيق قانون المنطقة الحرة على مشروع من مشاريع المنطقة الحرة بالأمر المباشر من رئيس الحكومة في زمن السلم وليس الحرب، ما هو إلا من أعمال " البلطجة الرسمية "!

افليس هذا الهوان بسيادة القانون فسادا سياسياً ؟!

السؤال هو إلى أين قاد هذا الفساد السياسي؟
لقد قاد هذا الفساد السياسي إلى تهديم البنية القانونية للمنطقة الحرة وتهاوي إدارتها وذلك على النحو الآتي:
أ‌. تم تسجيل شركة دبي العالمية كشركة من شركات المنطقة الحرة عدن في سجل إدارة المنطقة الحرة بتهاون من الإدارة مع الأسف وهي ليست كذلك ولا تتبع المنطقة الحرة.

ب‌. تم منح شركة دبي العالمية كافة الامتيازات التي يتضمنها الباب الخامس من قانون المنطقة الحرة وهذا أمر مخالف له فالشركة لا تعمل في نطاق المنطقة الحرة ولم توقع اتفاقيتها مع أدارة المنطقة الحرة وبالتالي لا تخضع لقانون المنطقة الحرة حتى تأخذ امتيازاته وضماناته وحوافزه
ج. حوافز المنطقة الحرة وامتيازاتها تمنح لمده خمسة عشر عاماً فقط بموجب القانون ولكن دبي مُنحت هذه الحوافز والضمانات في الاتفاقية لمده خمسه وثلاثين عاماً وتشمل هذه الامتيازات إعفاءات ضريبية لا تمنح ألا بقانون وهي سابقة خطيرة انتهكت أحكام الأسس الاقتصادية في الدستور(المادة 13 منه)

د. الجهة التي وقعت على اتفاقية دبي هي مؤسسة موانئ خليج عدن التي تشكلت بمقتضى القرار الجمهوري رقم (61) لسنه 2007م. وفي هذا القرار ، نصت المادة (31) منه بأن تتمتع هذه المؤسسة بالمزايا والإعفاءات الواردة في قانون الاستثمار ( رقم22 – لسنه2002) وليس في قانون المنطقة الحرة رقم ( 4 لسنه 1993م) ولكنها مع القوم ياشقراء منحت دبي امتيازات قانون المنطقة الحرة وصادق على ذلك مجلس الوزراء. فكيف تمنح هذه المؤسسة إعفاءات وردت في قانون ليست لها إيه علاقة به ولا تتمتع هي ذاتها بامتيازاته ؟!
باختصار ، صنعت حكومتئذٍ لموضوع الميناء / دبي – " مِعجنة " – حذفت فيها كل ساقطة ولاقطة وكل شاردة وواردة من القوانين والقرارات و" عجنتها " داخل " المعجنه " وطلعت علينا باتفاقية دبي ، وجبه جاهزة للأكل عبارة عن .. " زومة عمياء وعصيد مجنونه !

وختاماً ....
ما هي خطورة هذا الهدم المتعمد للبنية القانونية للمنطقه الحرة عدن والذي يمكن أن يطال البنية التشريعية للبلد ككل؟!

والجواب على هذا السؤال هو ،لو غدت حكومة 2004وحكومة 2007 قدوة للحكومات التالية لهما ،فلربما يصبح الهوان بسيادة القانون ظاهرة ستقود حتماً إلى الأمور التالية :

- سيكون جائزاَ لمجلس الوزراء أن يقوم بسلخ كلية الطب عن جامعة صنعاء وتحويلها إلى وزير الصحة ويأمره بأن يقعد تحت مظله قانون جامعة صنعاء ويدير الكلية بموجبه ليس بموجب قوانين وزارة الصحة

- وهذه الخطوة تصلح أيضا مع كلية الهندسة ( تحويلها إلى وزير الإنشاءات ) وكلية الشريعة ( تحويلها إلى وزير العدل ) ... وهلم جراً!! .

- وفي الجانب الأخر، نتوقع أن يقوم وزير الكهرباء بإبرام عقد مع شركة ما لتوليد الكهرباء بالمراوح الهوائية ويمنحها في ذلك العقد جميع الإعفاءات والامتيازات والضمانات في قانون المنطقة الحرة ؛ ويصلح الأمر مع أي وزير أخر في الحكومة كمثل وزير الأسماك ووزير الزراعة ووزير النفط ..وهلم جراً!

وبذلك يصبح قانون المنطقه الحرة"ملطشه" أما الأمر الجلل الذي نتخوف منه هو أن تقوم حكومة الوفاق بتكرار الخطأ السابق الذي ارتكبته حكومة 2008 وذلك بأن تمد إعفاءات وامتيازات قانون المنطقه الحرة لأية شركة تتعاقد مع وزير النقل أو مع مؤسسة مواني خليج عدن مستخدمة إدارة المنطقة الحرة " كنادل" في مطعمها الفاخر مثلما حصل سابقاَ.

هذا هو الفساد السياسي الذي يستبيح الدستور والقانون والنظام وكل القيم الأخلاقية و الذي يمثل الحاضن الأول للبنية الأساسية للفساد في اليمن والتوجه إلى محاربة الفساد المالي والإداري هو عبارة عن" إلهاء" الناس عن المعركة الحقيقة التي يجب أن تكون ضد الفساد السياسي.
هذا الفساد السياسي الذي نجمت عنه صفقة دبي التي كلفت المجتمع اليمني ثروة واستقرار جيلين على الأقل ، هل سينجو من العقاب؟!