أكد الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح كان يحكم اليمن بالقبيلة وأنه غير مثقف ويهوى متابعة الحكايات والأحاديث وأنه – في أحدى الفترات – ضم اليه مجموعة من المثقفين الذين كانوا يفتونه ويعملون له كل شيء حتى آخر أيام حكمه وبعضهم الآن أصبح مسؤولا .
وقال البيض في مقابلة مع " الحياة " , أن صالح "عسكري قبلي، تآمري في عمله، متغير لا يتردد في أن يتغير، ولا يتردد في تغيير مواقفه على رغم أنه مسؤول وبالذات رئيس دولة فمن غير اللائق أن يغير كلامه، لكنه كان أمراً عادياً بالنسبة إليه أن يتقلب في آرائه ويتآمر ويعمل كل شيء يراه في خدمة ما يصبو إليه، له شخصية عجيبة ".
وأتهم البيض في مقابلته , علي صالح بأنه انشأ ميليشيات مسلحة "ولديه جهاز للتخلص من الأشخاص غير المرغوب فيهم ولديه أساليب سيئة جداً جداً ويستعين بكل الوسائل غير المشروعة للتخلص من خصومه أو بمجرد أن يسمع عن أحد لا يرتاح له" , مضيفا ان صالح أمر بعملية اغتيالات قيادات جنوبية وشمالية "وعنده جهاز كامل يقوم بهذه الأعمال وفق وضعية المستهدَف الاجتماعية أو السياسية وفق ترتيبات معينة. بعض الاغتيالات يحتاج إلى أمر مباشر منه وبعضها الآخر يتم بأمر علي محسن، وفق تسلسل معين.
وعن تنظيم القاعدة وانتشاره في اليمن , قال البيض ان" علي صالح كان يقدم تسهيلات للقاعدة ويخوِّف بهم الغرب وكان يديرهم وفق حاجته لهم فأحياناً ينشطهم وأحياناً يخمدهم وستكشف الأيام هذه الأمور وقد بدأت فعلاً تتكشف".
الى نص المقابلة التي أجراها غسان شربل من بيروت :
* سيادة الرئيس إذا سألتك أن تصف أسلوب الرئيس علي عبدالله صالح في الحكم، كيف تصفه؟
- أسلوب علي عبدالله صالح في الحكم أسلوب له علاقة بالثقافة القبلية -العسكرية. كان بالطبيعة البدوية أو القبلية يجيد «العنكلة» أي الأساليب التآمرية في العمل، وهو شخص غير مثقف. عندما بدأنا العمل سوياً في صنعاء كان ينصحني ألا أقرأ. فعندما كانوا يأتوننا بأوراق مشتركة للتوقيع عليها كنت أجلس لقراءتها لكنه كان يوقع فوراً وكنت أقول له كيف توقع على شيء لم تقرأه؟ ويجيب: سهل أن أقول لم أقرأه أو لست موافقاً على مضمونه. هذا على رغم أن توقيعه قد يتعلق بمصير حياة إنسان. هو لا يقراً ويجيد الحيل والمكر والتآمر وعلاقته برموز التحالفات العسكرية القبلية الإسلامية الإرهابية من قوم عبدالمجيد الزنداني وغيره. ويعتمد على لعبة الشيخ والرئيس . في صنعاء يسمونهما رئيس الشيخ وشيخ الرئيس بالإشارة إلى الشيخ عبدالله الأحمر. يجيد هذه الأعمال ولكنه غير مثقف يهوى متابعة الحكايات والأحاديث. وفي فترة من الوقت استطاع أن يضم حوله مجموعة من «التنابل» أو المثقفين الذين كانوا يفتونه ويعملون له كل شيء حتى آخر أيام حكمه، وبعضهم أصبح الآن مسؤولاً بعدما كان من «تنابلة السلطان».
علي عبدالله صالح رجل عسكري قبلي، تآمري في عمله، متغير لا يتردد في أن يتغير، ولا يتردد في تغيير مواقفه على رغم أنه مسؤول وبالذات رئيس دولة فمن غير اللائق أن يغير كلامه، لكنه كان أمراً عادياً بالنسبة إليه أن يتقلب في آرائه ويتآمر ويعمل كل شيء يراه في خدمة ما يصبو إليه، له شخصية عجيبة. وكنت أقول أن الزمن هكذا (...).
* خلال عملكما معاً ألم يكن يعمل خلال النهار، ألا يعقد اجتماعات، ألا يحضر اجتماعات مجلس الوزراء؟
- كان يعمل لكنه لا يعمل وفق البرامج والخطوط، عندما يقدم الناس اقتراحات يوافق عليها لكن عملياً لا يعمل وفق خطوط وبرامج بل يعمل وفق الطريقة التي يرى أنها مناسبة بالمشاورات الشخصية الجانبية ويُمرر ما يريد فوراً لأن الآخرين يوافقونه. وعندما جئنا في شراكة في الحكم كنا نرفض أي شيء قبل أن يكون هناك إعداد لورقة يعمل عليها كادر وينظر فيها المسؤول وقد يزيد أو ينقص منها. هو لم يكن يعمل وفق ذلك الأسلوب.
مجلس الرئاسة
قرارات مجلس الرئاسة كلها لم تنفذ. وأنا شخصياً اعتكفت ثلاث مرات لأنني لم أشأ أن تظهر المشكلة للخارج وكنت أجلس في منزلي. وبعد كل اعتكاف كنا نعقد اجتماعات ونتخذ قرارات ولا تُنفذ. أسرد لك واقعة، كان عندنا مجلس الدفاع الوطني، وفيه أعضاء مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء وورزاء الخارجية والمال والدفاع والداخلية والإعلام، عقد مرة واحدة فقط لأننا عندما اجتمعنا كان وزير الدفاع حينها هيثم قاسم (جنوبي من الحزب الاشتراكي) حضّر ورقة لتقديمها إلى مجلس الدفاع. فسأله علي عبدالله صالح: ما هذه الورقة؟ قال أنها ورقة للنقاش، وكانت تتناول مشروع دمج القوات المسلحة في الجنوب والشمال لبناء أجهزة الدولة الأساسية الدفاعية، ويمكن أن يُنظر فيها وتُحال إلى الجهات المختصة. فقال له هذا عقل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. فقلت له الحزب الاشتراكي هو الذي أقام وحدة معكم؟ وهذه وثيقة عمل على إعدادها كادر ووزير الدفاع موجود ويمكنكم أن تحيلوها لمن تريدون للنظر فيها وإضافة وحذف ما ترون مناسباً لكن ليس بهذه الطريقة. فقال لا داع وأحضر ورقة على طريقة «لائحة المشتريات» يطلب من شخص معين التوجه إلى مكان وشخص آخر إلى مكان آخر. أنا قلت له أيها الأخ الرئيس هذه ليست طريقة عمل هناك دراسة يمكن أن تطورها لا مانع، ولكن هذا الأسلوب غير مقبول. قال لي إلا هذا. فضربت يدي على الطاولة وقلت له يبدو أنك لم تنم جيداً والأفضل أن تخلد إلى النوم ورُفعت الجلسة ولم يعقد مجلس الدفاع الوطني أي اجتماع لاحق.
*هل كان المال من وسائل الحكم لاسترضاء البعض؟
- طريقته الترغيب والترهيب. الترغيب عبر منصب وإمكانات وفلوس ومن يرفض هناك وسائل أخرى للتخلص منه. أنا اكتشفت في آب (أغسطس) 1993 بعدما توجهت إلى عدن ثم عدت إلى صنعاء عبر شخص يعمل معه جاءنا بطريقة سرية وأبلغنا أنه طلب منه التخلص مني بطريقة تآمرية وهو يعمل معهم كي ينتقم وكان شاباً صغيراً فسألته: لماذا؟ قال علي عبدالله صالح بعدما ينتهي من «تخزينه» في تمام الساعة الثامنة مساء يتوجه يومياً إلى غرفة عمليات في دار الرئاسة تحت الأرض، حيث يعمل هذا الشاب، ويتابع ويعطي الأوامر التي يريدها.
تراتبية... للاغتيالات
عندما كنا نتكلم عن اغتيال الكوادر، قال إن علي عبدالله صالح لديه الآف يعملون في جهاز للاغتيالات. وهذا كان أسلوب العمل مع كوادر الحزب، «نظام العمل مع الكوادر»: مَن يعين وزيراً، مَن يعين نائب وزير، مَن يعين مديراً هو يحدد. وعندهم في ذلك الفرع تراتبية مَن يغتال وزيراً ومَن يغتال مديراً ومَن يغتال ضابطاً ومَن يغتال شخصاً عادياً. كانت تتم اغتيالات ولا نعلم كيف حدثت.
*هل تقصد انه أنشأ ميليشيا ضمن الدولة؟
- نعم. الدولة صورة لأن الدولة عنده غير مهمة، الدولة جهازها مؤلف من 200 ألف وجهاز دولة الجنوب كان مؤلفاً من 600 ألف وهم الفاعلون على الأرض، أما جهاز دولة الشمال فكان شبيهاً بحزب «إبق في البيت» ولا يؤدون عملاً يذكر. هو كان يعمل بهذا الشكل. لديه فعلاً جهاز للتخلص من الأشخاص غير المرغوب فيهم ولديه أساليب سيئة جداً جداً ويستعين بكل الوسائل غير المشروعة للتخلص من خصومه أو بمجرد أن يسمع عن أحد لا يرتاح له.
في تلك الفترة تعرضت كوادر الحزب الاشتراكي لاغتيالات (حوالى 150 شخصاً) وفي غالبية الحالات وُجهت أصابع الاتهام إلى «القاعدة» و»الإصلاح». بعد هذه المشكلة وعندما كنت مسؤولاً كان إخواني يلومونني لماذا أسكت فكنت أقول لهم نحن نضحي من أجل الوحدة ولا نريد أن ندخل في مواجهة وكنا نصبر. لكن عندما وصلنا إلى الأردن وأنجزنا «وثيقة العهد والاتفاق» التي وقعناها في 20 شباط (فبراير) 1994 أول بند فيها كان إلقاء القبض على مَن قاموا بالاغتيالات، وفيها بنود عدة أخرى. وقعنا هذه الوثيقة وقلت لإخواني إننا نحن لو وقّعنا سندخل في حرب لأن البند الأول من غير الممكن أن ينفذه علي عبدالله صالح بحق أقربائه، أولاده وأولاد أخيه وعلي محسن (وكان يُعرف بأنه أخوه غير الشقيق) منهم.
*هذا كلام خطير هل تتهمه بأنه أمر بعمليات اغتيال؟
- نعم وعنده جهاز كامل يقوم بهذه الأعمال وفق وضعية المستهدَف الاجتماعية أو السياسية وفق ترتيبات معينة. بعض الاغتيالات يحتاج إلى أمر مباشر منه وبعضها الآخر يتم بأمر علي محسن، وفق تسلسل معين.
* من هم أبرز الذين تعتقد أن الجهاز اغتالهم؟
- أعتقد مجاهد أبو شوارب ويحيى المتوكل وكانا يعملان مع علي عبد الله صالح وأراد التخلص منهما، وعبد الله السلال الذي كان يهتم بصحته ويمشي يومياً. بعدما وقعنا الوثيقة في الأردن قلت إن رأيي أن ينسحب كلا الرئيسين (البيض وصالح) ونسمح للأحزاب والشخصيات التي كانت موجودة جميعها من الشمال والجنوب أن تنفذ الاتفاق وكنت أقول لبعضهم (لسنان أبو لحوم) أن السلال أفضل مَنْ يكون رئيساً كونه أقدمنا. وهو ما كان بقي رئيساً لفترة طويلة بسبب تقدمه في السن وكنا استفدنا من خبراته. ومثلما وقعنا على اتفاق الوحدة نوقع على وثيقة لتصحيح الوضع ونترك لهم الحكم وكنت أقول لأبو لحوم أنني أفضل عبدالله السلال (وكان أول رئيس).
بعد سماعه كلامي صادق علي عبدالله صالح السلال وبعدها بأيام عرفنا أن السلال توفي اثر عارض صحي.
هناك شخص آخر اسمه محمد علي هيثم، وهو جنوبي كان في الحزب الاشتراكي، وكان رئيساً للوزراء، وقبل سفري إلى أميركا للعلاج جلست معه في المنزل في صنعاء في زاوية قرب إحدى البوابات، وبدا أن هناك تسجيلاً يتم من مكان قريب لنا (البوابة) ونحن نجلس تحت شجرة ويدور بيننا حديث عن أن الأمور بدأت في التسعينات تتعقد وتتصاعد فقال لي أن أفضل ما يمكننا عمله هو توحيد الجنوبيين ثم نرى كيف نتعامل مع هؤلاء. بعد أسبوعين من سفري وكنت في مايو كلينيك في مينوسوتا سمعنا أن محمد علي هيثم، وهو حريص تماماً على صحته، ربما أكثر من السلال، وينقل دائماً ماء خاصاً معه للشرب توفي.
هناك شاعر اسمه الروبالي من أب ألقى كلمة عن المشاكل فدعاه علي عبدالله صالح إلى منزله في تعز وخزّن معه وفي صباح اليوم التالي توفي في منزله بين أفراد عائلته.
تم اغتيال مجاهد أبو شوارب ويحيى المتوكل في حادثي سيارة وهما شكلا دائماً بديلاً عن علي عبدالله صالح إذ أن أسميهما لطالما طرحا عندما طرح السؤال عن البديل؟ فمجاهد أبو شوارب طرح كشخصية قبيلية وطرح يحيى المتوكل كشخص من عائلة هاشمية وزيدي وكان سفيراً لدى الولايات المتحدة وفرنسا ويعرف العالم. رجلان مؤيدان للوحدة وعلاقتهما مع الجنوب جيدة. تم فصلهما بعد 1994 عندما بدأ الحديث عن بدائل لعلي عبدالله صالح.
أسلوب صدام
* هل تقصد التذكير بأسلوب صدام حسين؟.
- هو تلميذ صدام في كثير من الأمور ويعتزّ به وعلاقته كانت وثيقة به ويعتبر أن صدام شجعه على الوحدة. وربما قال له انجز الوحدة معهم ثم تولى أمرهم.
خلال وجودي في بغداد لحضور القمة العربية في أيار(مايو) 1990 بعد الوحدة اليمنية مباشرة تردد أن صدام احضر مجموعة صناديق فيها أموال نقدية مجموعها حوالى 200 مليون دولار دعماً للوحدة وأن المبلغ لم يدخل الخزينة. علي عبدالله صالح كان يأخذ كل شيء ولم يكن معترفاً بالدولة ولا بالنظام هو كان يريد دولة «مُرُو» (أؤمروا) كما قال الإمام. هو لم يكن يريد دولة مؤسسات حديثة تواكب التطور. وقد تكلمت عن «دولة مرو» في الفترة التي كان بيننا صِدام. نحن جماهيرياً كان الوضع لمصلحتنا.
كان علي عبدالله صالح يقضي ساعات الليل اعتباراً من حوالى الساعة العاشرة مساء يدير الدولة عبر الهاتف. لا يحب القراءة ولا يعمل مع الناس بطريقة منهجية لكن بطريقة الهاتف والأوامر وأحياناً بكلمتين: مرو بصرف كذا لوزير المال ولمكتبه.
* في تلك الفترة ولد مجلس التعاون العربي الذي ضم اليمن ومصر والعراق والأردن؟
- موضوع الكويت كان من النقاط التي فجرت حرب 1994. في الجنوب كان لدينا موقف من الحرب العراقية – الإيرانية لجهة عدم حل المشاكل بالقوة بين الدول. وحتى عندما التقيت صدام قلت له هذا الكلام مرتين، خلال زيارتي له قبل الحرب وخلالها. وحضرت القمة العربية في أيار (مايو) 1990 ووضعوا لنا (لي ولعلي عبدالله صالح) كرسيين متلاصقين فقال القذافي عني: هذا الوحدوي.
* من حاول اغتيال علي صالح؟
- لا أعلم وليس لدي أي معلومات لكن أعتقد أنها كانت مؤامرة داخلية من المقربين منه (ربما علي محسن). ليس هناك مَنْ هو أفضل من الآخر فعلي محسن شخصياً اعترف انهم ساعدوه وكانوا مخطئين وانتقد نفسه قائلاً نحن احتللنا الجنوب. والآن كل طرف يلقي المسؤولية على الآخر ولكنهم كلهم شركاء. وعلي محسن كان اليد اليمني لعلي عبدالله صالح في إدارة الأمور وفي التآمر وفي افتعال هذه «الفزاعة» للغرب ولأميركا (فزاعة القاعدة). لم تكن هناك «قاعدة» في اليمن خصوصاً في الجنوب هم أوجدوها لأنهم بدأوا يحسون أنها قد تكون مفيدة لهم. والناس الذين كانوا من أتباع «القاعدة» في اليمن ليسوا من أتباع أسامة بن لادن بل كانوا من القصر الرئاسي ومن الحرس الجمهوري الذين تم تزويدهم بإمكانات للقيام بعمليات وقاموا بإخراجهم من السجون حيث هُرّبوا ثلاث مرات: من المنصورة بعد تفجيرات عدن عند ضرب القوات الأميركية حين قام علي محسن بتهريبهم ثم خرجوا مرة ثانية من سجن الأمن السياسي تحت الأرض في صنعاء، رغم أنه مصنوع من الإسمنت المسلح ولا يخترق.
نحن متأكدون أن علي عبدالله صالح كان يرفع فزاعة «القاعدة» بوجه الغرب لكي يحصل على دعمهم.
* هل تقصد أن علي عبدالله صالح كان يقدم تسهيلات إلى «القاعدة»؟
- كان يزودهم بكل ذلك ويخوِّف بهم الغرب. وكان يديرهم وفق حاجته لهم فأحياناً ينشطهم وأحياناً يخمدهم. وستكشف الأيام هذه الأمور وقد بدأت فعلاً تتكشف.
كان لدينا شابان في السجن هما أحمد بن فريد وأحمد الربيزي قالا لي انه أثناء وجودهما في السجن كان جمال البنا يتلقى 270 ألف ريال شهرياً داخل السجن ويزودونه بالقات ويسمحون له بالاختلاء بزوجته مرة في الأسبوع في سجن الأمن السياسي، وهو له علاقة بتفجير المدمرة «كول» وما زال مطلوباً من الأميركيين وهو من الحرس الجمهوري. أقول لك أن الأيام ستكشف أن «القاعدة» في اليمن انطلقت من قصر الرئاسة والآن موجودة. هم يتقاتلون في صنعاء ومتفقون علينا في الجنوب. منطقة زنجبار تقسم الجنوب شرقاً وغرباً. علي عبدالله صالح يتولى من يطلقون عليهم اسم «قاعدة بن لادن» وعلي محسن يدعم «قاعدة أنصار الشريعة» ويزودونهم بالطعام والعتاد. وهؤلاء يعيثون الآن في الأرض فساداً فأنصار الشريعة يطبقون قطع اليد ويقومون بإعدامات في زنجبار وقطعوا الجنوب إلى شرق وغرب. هم يتقاتلون هناك لكنهم متفقون على الجنوب لأن علي عبدالله صالح عندما سئل عن استقلال الجنوب قال إنه لن يبقى هناك جنوب بل إمارات مع إرهابيين إسلاميين. والآن الأمور تتضح شيئاً فشيئاً.
* كنت في عدن وتولى علي عبدالله صالح السلطة في 1978. كمسؤول حزبي في عدن ماذا تعرف عن طريقة توليه السلطة؟
- أنا سمعت أنه بعد مقتل الغشمي كان من المفترض أن يتولى الحكم القاضي عبدالكريم العرشي لكن عائلته رفضت خوفاً على مصيره وأخرجوه من تعز لكنه خرج باتفاق. ويمكنك سؤال عبدالله الأصنج كيف وصل علي عبدالله صالح إلى الرئاسة لأنه يعرف أن علي عبدالله صالح كان يُرتب من قِبل عبدالله الأصنج ومستشار في دولة مجاورة هما ساعداه وقدما له الإمكانات وعند اجتماعهم في هيئة الأركان أخرج مسدسه وقال إنه هو يجب أن يكون الرئيس وفعلاً وزعت إمكانات على ضباط وعلى أعضاء مجلس الشعب وأصبح رئيساً. وهو يعترف أنه وصل إلى الرئاسة بمسدسه.
قبل ذلك دعي الرئيس إبراهيم الحمدي لتناول الطعام في منزل الغشمي الذي كان رئيساً للأركان وكان علي صالح حاضراً. هناك تم قتل الحمدي وأخيه. وللتضليل تم استقدام مضيفتين فرنسيتين إلى مسرح الجريمة للإيحاء بوجود قصة أخلاقية. كانت مؤامرة للتخلص من الحمدي وقد نجحت. الأيام المقبلة ستكشف أشياء كثيرة.
* حدثنا عن مقتل الغشمي. من كان وراء فكرة قتله ولماذا، هل كان ذلك ثأراً للحمدي لأنه كان وحدوياً؟
- قرار اغتيال الغشمي اتخذه الرئيس (اليمني الجنوبي) سالم ربيع علي (سالمين) ونفذه بواسطة أجهزة الأمن من دون علمنا. أقنعت الأجهزة شاباً بحمل حقيبة ملغومة وفتحها أمام الرئيس الغشمي مباشرة وبحجة وجود رسالة موجهة إليه فيها. وتحمس الشاب إذ أقنعوه انه سيكون شهيد الوحدة. ذهب الشاب وفتح الحقيبة وقتل الغشمي. نحن رفضنا هذا الأسلوب وحاولنا مساءلة الرئيس فلجأ بعض المقربين منه إلى السلاح وأعدم لاحقاً مع شخصين آخرين.
عثر لاحقاً بين أوراق سالمين على رسالة تقول أضيفوا «تي إن تي». كان قرارنا أن يغادر سالمين إلى أثيوبيا لكنه ركب رأسه وكان لا بد من وضع حد للاشتباكات كي لا تمزق البلد.
* هل زرت العراق بعد غزو الكويت؟
- نعم مع الملك حسين وياسر عرفات رحمهما الله من أجل أن نتكلم مع صدام على أساس أننا معنيون. كنت نائباً للرئيس (في دولة الوحدة) فحرصت أن أكون مستمعاً للزعماء لكن بعدما طفح الكيل قلت له نحن من «دول الضد» ونحن الآن متهمون بأننا مشتركون ونحن نريد أن نبدي رأينا فنحن لا نريد أن تستمر هذه الوضعية ويجب أن يكون هناك تفكير بالانسحاب وهذا لا يزال ممكناً. أميركا حشدت نصف مليون (جندي) في الخليج ليسوا هناك بغرض السياحة ولا يجوز أن تتمسك بموقفك ولا يحق لك أن تحتل بلداً. وقلت له لا يمكنك أن تقوم بهذا العمل منفرداً وتحملنا نحن المسؤولية. صمت صدام أمام تعليقي ولم يتكلم.
* هل طلب الملك حسين من صدام الانسحاب؟
- حديثهم جميعاً كان حميماً بسبب المعرفة القديمة بينهم بينما أنا لا أعرفهم ولم يكن لائقاً أن أحضر اللقاء كاملاً كنائب للرئيس.
* هل شرح ياسر عرفات لصدام أخطار البقاء في الكويت؟
- توجهنا إلى بغداد لإقناعه لكن لدى وصولنا لم يكن هناك موقف بالشكل الذي كنا نتمناه. وفي صباح اليوم التالي توجهت إلى لقاء صدام مجدداً وقلت له إن اليمن معك أطلب منك إطلاق الرهائن الأجانب (هولنديون) وتم إطلاق سراحهم، ثم تردد لاحقاً أنه ندم على إطلاقهم لأنهم كانوا دروعاً بشرية. وقلت له في حينها أن يعيد التفكير في المسألة إذ كانت لا تزال لديه الإمكانية للحوار وضرورة النظر إلى الأمام لأن الوضع واضح والحشود ليست لمجرد الضغط فقال إن الأمور (عسكرياً) مرتبة إلى مستوى السَرِيَّة.
* ماذا كان موقف علي عبدالله صالح من الغزو العراقي للكويت؟
- كان مع صدام. وتوجهت معه سوياً ومعنا ياسين سعيد نعمان، كان حينها رئيس مجلس النواب، ومجاهد أبو شوارب، كان نائب رئيس الوزراء، لنقول كلمة لإنقاذ البلد والوضع العربي من هذا المأزق الكبير وتكلمنا مع صدام. التقيت بصدام خلال الأزمة مرتين.
* كيف كان اللقاء بين علي عبدالله صالح وصدام حسين؟
- كانا يتكلمان في خلوتهما وعندما كنت أقترب منهما يتوقفان عن الحديث. شعرت أن هناك أمراً غير طبيعي بينهما. لم نخرج بنتيجة. وجدد صدام تأكيده لنا أن كل الأمور مرتبة (عسكرياً) إلى مستوى السَرِيَّة.
لدى عودتنا أعلن علي عبدالله صالح التعبئة في اليمن واتخذ موقفاً عسكرياً مباشراً وأخذ موقفاً في مجلس الأمن ضد القرار من دون علمنا. نحن مررنا إلى المملكة العربية السعودية في طريقنا إلى العراق والتقيت مع ولي العهد في حينه الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والتقى علي عبدالله صالح الملك فهد بن عبد العزيز. قال ولي العهد إننا نريد أن يكون هناك حل. عندما توجهنا إلى بغداد وتحدثنا إلى صدام قلنا له إن عليه أن يكون لديه قبول للحوار لأنه الفرصة للخروج من هذه المشكلة وقد يتمكن من معالجة الأمور في شكل أفضل من أي يوم لاحق. وبقي على موقفه قائلاً إن الأمور مرتبة. ولم يكن أي من المسؤولين العراقيين يتكلم. وقد قابلت صدام مع عبد الكريم الأرياني، وزير الخارجية، في حضور مجموعة من القيادات العراقية وتحدثت أمامهم لإسماع رأي اليمنيين فقلت نحن الآن محسوبون على هذا الطرف وليس لنا رأي في ما يدور. ثم اتفقنا على إصدار بيان فاستفسر عبدالله الحوراني من منظمة التحرير الفلسطينية عمَنْ سيُعِّد البيان، قائلاً نحن لن نعده لأن فيه خطورة، فقلنا له نحن فدائيون تاريخياً. وطلبنا من عبدالكريم الأرياني إعداد بيان حول الاجتماع الذي عقد.
توجهنا إلى مصر وكان علي عبدالله صالح يختلي بحسني مبارك ثم عرفت لاحقاً بالتواتر أنهم كانوا سيقدمون لمبارك جزءاً من الأموال التي سيجنونها من الكويت لكنني لم أسمع ذلك مباشرة. التقينا بمبارك في الإسكندرية واختلى مبارك وصالح أكثر من مرة في ركن منفرد. الحديث الذي دار أمامنا كان حديثاً عاماً من دون التطرق إلى أي شيء محدد لكنهما كانا يدعوان إلى أهمية اجتماع القادة العرب لحل المشكلة.
بعد عودتنا استخدم علي عبدالله صالح صوتنا في مجلس الأمن فمجلس الأمن كان للجنوبيين. لدى قيام الوحدة كنا نحن الجنوبيين أعضاء في مجلس الأمن وعبدالله الأشطل كان يمثلنا قبل أن يصبح ممثلاً للجمهورية اليمنية، وكان المقعد أساساً لدولة اليمن الديموقرطية الشعبية. وقد اتخذ صالح ذلك الموقف ونحن لم نكن موافقين عليه لأنهم استغلوا الموقف في مجلس الأمن وكنا نرأس مجلس الأمن في حينه. حاولت الاتصال بعلي عبدالله صالح فلم أفلح في التحدث إليه ولم أكن مقتنعاً. تلك الأزمة كانت الأولى التي واجهها طرفا الوحدة إذ بعد إنجازها بأشهر اجتاحت قوات صدام الكويت.
* على الصعيد الشخصي هل كانت هناك علاقة طيبة بينك وبين علي عبدالله صالح؟
- علاقتنا كانت عادية وكنت أجلس معه لثنيه قدر المستطاع عن أي تصرف خاطئ. أنا لا أخزّن فاضطررت إلى مشاركته التخزين لأتحدث إليه وهو كان سريعاً في اتخاذ القرارات، على رغم أن بعض قراراته كان عن اقتناع. كان مثابراً على خروجه في وقت معين وتحركاته التي لم نكن نعرف عنها واتصالاته بالفعل من أعلى مستوى إلى أدنى مستوى في كل محافظة. واستخدم كل الإمكانات المتاحة للتأثير في الناس بالترغيب والترهيب. لديه عقلية تآمرية.
* هل كان هناك اتصال بينكما بعد 1993 و1994؟
- سنة 1995 انتقلت من دار الضيافة في سلطنة عُمان إلى منزل. وأنا من عادتي أن أنام باكراً فأبلغني موظفو الاتصالات لديّ أن السيد محمد بن محمد المنصور، وهو شخصية معروفة في اليمن من علماء الدين، وهو رجل تقي كبير في السن تحاور معنا عندما كنا في عدن وكان إلى جانبنا يريد التحدث إليّ. فنهضت في الساعة الحادية عشرة ليلاً فسمعت أصوات تشويش (تنصت) قبل أن أسمع صوته. علي صالح كان لديه جهاز اتصالات هاتفية مدرب من قبل الألمان الغربيين ويعرفون مكان تواجد كل شخص ومن هم أهله وما هي الأماكن التي يرتادها، فهو كان جهازاً استخباراتياً وليس فقط جهاز اتصالات هاتفية. بعدما تحدثت إلى المنصور دخل فجأة علي عبدالله صالح على الخط وقال لي لماذا أنت لا تتكلم، هل تكتب مذكراتك؟ قلت له أنا معك فعندما تخرج من الحكم نكتب مذكراتنا سوياً. قال لي حرفياً: قل لأولادك أن يعودوا لاستعادة المنزل. وكانوا استولوا على منزل أولادي الكبار. قلت له أنت استوليت على البلد كلها وأولادي مثل الناس وأنت أنظر إلى معاناة الناس والشعب ومشاكلهم فهم مسؤوليتك. قال لي أنت لست وصياً عليهم. قلت له أنت موجود وتعمل ما تريد أما أولادي فلا علاقة لك بهم ولا ببيتنا ولا نطلب منك شيئاً فقد راحت البلد كلها وأغلقت الهاتف في وجهه. ومن حينها لم أتحدث إليه نهائياً على رغم أنه حاول أن يوسط بعض الناس. لم أتحدث معه لأنني أعرف كيف يفكر هذا النوع من الناس وأعرف أن لا جدوى من الحديث معه. وبعد ارتكاب هذه الجرائم كلها من الصعب أن أتحدث إليه وهو إنسان لا يُؤتَمن متخلف متآمر يريد السلطة مهما كان الثمن. وأنظر الآن يتقاتلون في ما بينهم، هو وأخوانه، وبيت الأحمر منقسمون جزءين: صادق وعلي محسن من جهة وعلي عبدالله صالح وإخوانه من الجهة الأخرى ويعاني الشعب كله بينهم والمساكين في ساحات التغيير.
التاريخ بيننا وسنرى إلى ما ستؤول إليه الأمور. علي عبدالله صالح انتهى. الجريمة التي ارتكبها لا تُغتفر وبدل محاكمته يبحثون عن عفو له ولمن معه. وفي المقابل هناك من يطلب العفو لعلي محسن والطرف الآخر، وفي النهاية يمكن أن يصدر عفو عن الجميع.
*المصدر: دار الحياة
وقال البيض في مقابلة مع " الحياة " , أن صالح "عسكري قبلي، تآمري في عمله، متغير لا يتردد في أن يتغير، ولا يتردد في تغيير مواقفه على رغم أنه مسؤول وبالذات رئيس دولة فمن غير اللائق أن يغير كلامه، لكنه كان أمراً عادياً بالنسبة إليه أن يتقلب في آرائه ويتآمر ويعمل كل شيء يراه في خدمة ما يصبو إليه، له شخصية عجيبة ".
وأتهم البيض في مقابلته , علي صالح بأنه انشأ ميليشيات مسلحة "ولديه جهاز للتخلص من الأشخاص غير المرغوب فيهم ولديه أساليب سيئة جداً جداً ويستعين بكل الوسائل غير المشروعة للتخلص من خصومه أو بمجرد أن يسمع عن أحد لا يرتاح له" , مضيفا ان صالح أمر بعملية اغتيالات قيادات جنوبية وشمالية "وعنده جهاز كامل يقوم بهذه الأعمال وفق وضعية المستهدَف الاجتماعية أو السياسية وفق ترتيبات معينة. بعض الاغتيالات يحتاج إلى أمر مباشر منه وبعضها الآخر يتم بأمر علي محسن، وفق تسلسل معين.
وعن تنظيم القاعدة وانتشاره في اليمن , قال البيض ان" علي صالح كان يقدم تسهيلات للقاعدة ويخوِّف بهم الغرب وكان يديرهم وفق حاجته لهم فأحياناً ينشطهم وأحياناً يخمدهم وستكشف الأيام هذه الأمور وقد بدأت فعلاً تتكشف".
الى نص المقابلة التي أجراها غسان شربل من بيروت :
* سيادة الرئيس إذا سألتك أن تصف أسلوب الرئيس علي عبدالله صالح في الحكم، كيف تصفه؟
- أسلوب علي عبدالله صالح في الحكم أسلوب له علاقة بالثقافة القبلية -العسكرية. كان بالطبيعة البدوية أو القبلية يجيد «العنكلة» أي الأساليب التآمرية في العمل، وهو شخص غير مثقف. عندما بدأنا العمل سوياً في صنعاء كان ينصحني ألا أقرأ. فعندما كانوا يأتوننا بأوراق مشتركة للتوقيع عليها كنت أجلس لقراءتها لكنه كان يوقع فوراً وكنت أقول له كيف توقع على شيء لم تقرأه؟ ويجيب: سهل أن أقول لم أقرأه أو لست موافقاً على مضمونه. هذا على رغم أن توقيعه قد يتعلق بمصير حياة إنسان. هو لا يقراً ويجيد الحيل والمكر والتآمر وعلاقته برموز التحالفات العسكرية القبلية الإسلامية الإرهابية من قوم عبدالمجيد الزنداني وغيره. ويعتمد على لعبة الشيخ والرئيس . في صنعاء يسمونهما رئيس الشيخ وشيخ الرئيس بالإشارة إلى الشيخ عبدالله الأحمر. يجيد هذه الأعمال ولكنه غير مثقف يهوى متابعة الحكايات والأحاديث. وفي فترة من الوقت استطاع أن يضم حوله مجموعة من «التنابل» أو المثقفين الذين كانوا يفتونه ويعملون له كل شيء حتى آخر أيام حكمه، وبعضهم أصبح الآن مسؤولاً بعدما كان من «تنابلة السلطان».
علي عبدالله صالح رجل عسكري قبلي، تآمري في عمله، متغير لا يتردد في أن يتغير، ولا يتردد في تغيير مواقفه على رغم أنه مسؤول وبالذات رئيس دولة فمن غير اللائق أن يغير كلامه، لكنه كان أمراً عادياً بالنسبة إليه أن يتقلب في آرائه ويتآمر ويعمل كل شيء يراه في خدمة ما يصبو إليه، له شخصية عجيبة. وكنت أقول أن الزمن هكذا (...).
* خلال عملكما معاً ألم يكن يعمل خلال النهار، ألا يعقد اجتماعات، ألا يحضر اجتماعات مجلس الوزراء؟
- كان يعمل لكنه لا يعمل وفق البرامج والخطوط، عندما يقدم الناس اقتراحات يوافق عليها لكن عملياً لا يعمل وفق خطوط وبرامج بل يعمل وفق الطريقة التي يرى أنها مناسبة بالمشاورات الشخصية الجانبية ويُمرر ما يريد فوراً لأن الآخرين يوافقونه. وعندما جئنا في شراكة في الحكم كنا نرفض أي شيء قبل أن يكون هناك إعداد لورقة يعمل عليها كادر وينظر فيها المسؤول وقد يزيد أو ينقص منها. هو لم يكن يعمل وفق ذلك الأسلوب.
مجلس الرئاسة
قرارات مجلس الرئاسة كلها لم تنفذ. وأنا شخصياً اعتكفت ثلاث مرات لأنني لم أشأ أن تظهر المشكلة للخارج وكنت أجلس في منزلي. وبعد كل اعتكاف كنا نعقد اجتماعات ونتخذ قرارات ولا تُنفذ. أسرد لك واقعة، كان عندنا مجلس الدفاع الوطني، وفيه أعضاء مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء وورزاء الخارجية والمال والدفاع والداخلية والإعلام، عقد مرة واحدة فقط لأننا عندما اجتمعنا كان وزير الدفاع حينها هيثم قاسم (جنوبي من الحزب الاشتراكي) حضّر ورقة لتقديمها إلى مجلس الدفاع. فسأله علي عبدالله صالح: ما هذه الورقة؟ قال أنها ورقة للنقاش، وكانت تتناول مشروع دمج القوات المسلحة في الجنوب والشمال لبناء أجهزة الدولة الأساسية الدفاعية، ويمكن أن يُنظر فيها وتُحال إلى الجهات المختصة. فقال له هذا عقل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. فقلت له الحزب الاشتراكي هو الذي أقام وحدة معكم؟ وهذه وثيقة عمل على إعدادها كادر ووزير الدفاع موجود ويمكنكم أن تحيلوها لمن تريدون للنظر فيها وإضافة وحذف ما ترون مناسباً لكن ليس بهذه الطريقة. فقال لا داع وأحضر ورقة على طريقة «لائحة المشتريات» يطلب من شخص معين التوجه إلى مكان وشخص آخر إلى مكان آخر. أنا قلت له أيها الأخ الرئيس هذه ليست طريقة عمل هناك دراسة يمكن أن تطورها لا مانع، ولكن هذا الأسلوب غير مقبول. قال لي إلا هذا. فضربت يدي على الطاولة وقلت له يبدو أنك لم تنم جيداً والأفضل أن تخلد إلى النوم ورُفعت الجلسة ولم يعقد مجلس الدفاع الوطني أي اجتماع لاحق.
*هل كان المال من وسائل الحكم لاسترضاء البعض؟
- طريقته الترغيب والترهيب. الترغيب عبر منصب وإمكانات وفلوس ومن يرفض هناك وسائل أخرى للتخلص منه. أنا اكتشفت في آب (أغسطس) 1993 بعدما توجهت إلى عدن ثم عدت إلى صنعاء عبر شخص يعمل معه جاءنا بطريقة سرية وأبلغنا أنه طلب منه التخلص مني بطريقة تآمرية وهو يعمل معهم كي ينتقم وكان شاباً صغيراً فسألته: لماذا؟ قال علي عبدالله صالح بعدما ينتهي من «تخزينه» في تمام الساعة الثامنة مساء يتوجه يومياً إلى غرفة عمليات في دار الرئاسة تحت الأرض، حيث يعمل هذا الشاب، ويتابع ويعطي الأوامر التي يريدها.
تراتبية... للاغتيالات
عندما كنا نتكلم عن اغتيال الكوادر، قال إن علي عبدالله صالح لديه الآف يعملون في جهاز للاغتيالات. وهذا كان أسلوب العمل مع كوادر الحزب، «نظام العمل مع الكوادر»: مَن يعين وزيراً، مَن يعين نائب وزير، مَن يعين مديراً هو يحدد. وعندهم في ذلك الفرع تراتبية مَن يغتال وزيراً ومَن يغتال مديراً ومَن يغتال ضابطاً ومَن يغتال شخصاً عادياً. كانت تتم اغتيالات ولا نعلم كيف حدثت.
*هل تقصد انه أنشأ ميليشيا ضمن الدولة؟
- نعم. الدولة صورة لأن الدولة عنده غير مهمة، الدولة جهازها مؤلف من 200 ألف وجهاز دولة الجنوب كان مؤلفاً من 600 ألف وهم الفاعلون على الأرض، أما جهاز دولة الشمال فكان شبيهاً بحزب «إبق في البيت» ولا يؤدون عملاً يذكر. هو كان يعمل بهذا الشكل. لديه فعلاً جهاز للتخلص من الأشخاص غير المرغوب فيهم ولديه أساليب سيئة جداً جداً ويستعين بكل الوسائل غير المشروعة للتخلص من خصومه أو بمجرد أن يسمع عن أحد لا يرتاح له.
في تلك الفترة تعرضت كوادر الحزب الاشتراكي لاغتيالات (حوالى 150 شخصاً) وفي غالبية الحالات وُجهت أصابع الاتهام إلى «القاعدة» و»الإصلاح». بعد هذه المشكلة وعندما كنت مسؤولاً كان إخواني يلومونني لماذا أسكت فكنت أقول لهم نحن نضحي من أجل الوحدة ولا نريد أن ندخل في مواجهة وكنا نصبر. لكن عندما وصلنا إلى الأردن وأنجزنا «وثيقة العهد والاتفاق» التي وقعناها في 20 شباط (فبراير) 1994 أول بند فيها كان إلقاء القبض على مَن قاموا بالاغتيالات، وفيها بنود عدة أخرى. وقعنا هذه الوثيقة وقلت لإخواني إننا نحن لو وقّعنا سندخل في حرب لأن البند الأول من غير الممكن أن ينفذه علي عبدالله صالح بحق أقربائه، أولاده وأولاد أخيه وعلي محسن (وكان يُعرف بأنه أخوه غير الشقيق) منهم.
*هذا كلام خطير هل تتهمه بأنه أمر بعمليات اغتيال؟
- نعم وعنده جهاز كامل يقوم بهذه الأعمال وفق وضعية المستهدَف الاجتماعية أو السياسية وفق ترتيبات معينة. بعض الاغتيالات يحتاج إلى أمر مباشر منه وبعضها الآخر يتم بأمر علي محسن، وفق تسلسل معين.
* من هم أبرز الذين تعتقد أن الجهاز اغتالهم؟
- أعتقد مجاهد أبو شوارب ويحيى المتوكل وكانا يعملان مع علي عبد الله صالح وأراد التخلص منهما، وعبد الله السلال الذي كان يهتم بصحته ويمشي يومياً. بعدما وقعنا الوثيقة في الأردن قلت إن رأيي أن ينسحب كلا الرئيسين (البيض وصالح) ونسمح للأحزاب والشخصيات التي كانت موجودة جميعها من الشمال والجنوب أن تنفذ الاتفاق وكنت أقول لبعضهم (لسنان أبو لحوم) أن السلال أفضل مَنْ يكون رئيساً كونه أقدمنا. وهو ما كان بقي رئيساً لفترة طويلة بسبب تقدمه في السن وكنا استفدنا من خبراته. ومثلما وقعنا على اتفاق الوحدة نوقع على وثيقة لتصحيح الوضع ونترك لهم الحكم وكنت أقول لأبو لحوم أنني أفضل عبدالله السلال (وكان أول رئيس).
بعد سماعه كلامي صادق علي عبدالله صالح السلال وبعدها بأيام عرفنا أن السلال توفي اثر عارض صحي.
هناك شخص آخر اسمه محمد علي هيثم، وهو جنوبي كان في الحزب الاشتراكي، وكان رئيساً للوزراء، وقبل سفري إلى أميركا للعلاج جلست معه في المنزل في صنعاء في زاوية قرب إحدى البوابات، وبدا أن هناك تسجيلاً يتم من مكان قريب لنا (البوابة) ونحن نجلس تحت شجرة ويدور بيننا حديث عن أن الأمور بدأت في التسعينات تتعقد وتتصاعد فقال لي أن أفضل ما يمكننا عمله هو توحيد الجنوبيين ثم نرى كيف نتعامل مع هؤلاء. بعد أسبوعين من سفري وكنت في مايو كلينيك في مينوسوتا سمعنا أن محمد علي هيثم، وهو حريص تماماً على صحته، ربما أكثر من السلال، وينقل دائماً ماء خاصاً معه للشرب توفي.
هناك شاعر اسمه الروبالي من أب ألقى كلمة عن المشاكل فدعاه علي عبدالله صالح إلى منزله في تعز وخزّن معه وفي صباح اليوم التالي توفي في منزله بين أفراد عائلته.
تم اغتيال مجاهد أبو شوارب ويحيى المتوكل في حادثي سيارة وهما شكلا دائماً بديلاً عن علي عبدالله صالح إذ أن أسميهما لطالما طرحا عندما طرح السؤال عن البديل؟ فمجاهد أبو شوارب طرح كشخصية قبيلية وطرح يحيى المتوكل كشخص من عائلة هاشمية وزيدي وكان سفيراً لدى الولايات المتحدة وفرنسا ويعرف العالم. رجلان مؤيدان للوحدة وعلاقتهما مع الجنوب جيدة. تم فصلهما بعد 1994 عندما بدأ الحديث عن بدائل لعلي عبدالله صالح.
أسلوب صدام
* هل تقصد التذكير بأسلوب صدام حسين؟.
- هو تلميذ صدام في كثير من الأمور ويعتزّ به وعلاقته كانت وثيقة به ويعتبر أن صدام شجعه على الوحدة. وربما قال له انجز الوحدة معهم ثم تولى أمرهم.
خلال وجودي في بغداد لحضور القمة العربية في أيار(مايو) 1990 بعد الوحدة اليمنية مباشرة تردد أن صدام احضر مجموعة صناديق فيها أموال نقدية مجموعها حوالى 200 مليون دولار دعماً للوحدة وأن المبلغ لم يدخل الخزينة. علي عبدالله صالح كان يأخذ كل شيء ولم يكن معترفاً بالدولة ولا بالنظام هو كان يريد دولة «مُرُو» (أؤمروا) كما قال الإمام. هو لم يكن يريد دولة مؤسسات حديثة تواكب التطور. وقد تكلمت عن «دولة مرو» في الفترة التي كان بيننا صِدام. نحن جماهيرياً كان الوضع لمصلحتنا.
كان علي عبدالله صالح يقضي ساعات الليل اعتباراً من حوالى الساعة العاشرة مساء يدير الدولة عبر الهاتف. لا يحب القراءة ولا يعمل مع الناس بطريقة منهجية لكن بطريقة الهاتف والأوامر وأحياناً بكلمتين: مرو بصرف كذا لوزير المال ولمكتبه.
* في تلك الفترة ولد مجلس التعاون العربي الذي ضم اليمن ومصر والعراق والأردن؟
- موضوع الكويت كان من النقاط التي فجرت حرب 1994. في الجنوب كان لدينا موقف من الحرب العراقية – الإيرانية لجهة عدم حل المشاكل بالقوة بين الدول. وحتى عندما التقيت صدام قلت له هذا الكلام مرتين، خلال زيارتي له قبل الحرب وخلالها. وحضرت القمة العربية في أيار (مايو) 1990 ووضعوا لنا (لي ولعلي عبدالله صالح) كرسيين متلاصقين فقال القذافي عني: هذا الوحدوي.
* من حاول اغتيال علي صالح؟
- لا أعلم وليس لدي أي معلومات لكن أعتقد أنها كانت مؤامرة داخلية من المقربين منه (ربما علي محسن). ليس هناك مَنْ هو أفضل من الآخر فعلي محسن شخصياً اعترف انهم ساعدوه وكانوا مخطئين وانتقد نفسه قائلاً نحن احتللنا الجنوب. والآن كل طرف يلقي المسؤولية على الآخر ولكنهم كلهم شركاء. وعلي محسن كان اليد اليمني لعلي عبدالله صالح في إدارة الأمور وفي التآمر وفي افتعال هذه «الفزاعة» للغرب ولأميركا (فزاعة القاعدة). لم تكن هناك «قاعدة» في اليمن خصوصاً في الجنوب هم أوجدوها لأنهم بدأوا يحسون أنها قد تكون مفيدة لهم. والناس الذين كانوا من أتباع «القاعدة» في اليمن ليسوا من أتباع أسامة بن لادن بل كانوا من القصر الرئاسي ومن الحرس الجمهوري الذين تم تزويدهم بإمكانات للقيام بعمليات وقاموا بإخراجهم من السجون حيث هُرّبوا ثلاث مرات: من المنصورة بعد تفجيرات عدن عند ضرب القوات الأميركية حين قام علي محسن بتهريبهم ثم خرجوا مرة ثانية من سجن الأمن السياسي تحت الأرض في صنعاء، رغم أنه مصنوع من الإسمنت المسلح ولا يخترق.
نحن متأكدون أن علي عبدالله صالح كان يرفع فزاعة «القاعدة» بوجه الغرب لكي يحصل على دعمهم.
* هل تقصد أن علي عبدالله صالح كان يقدم تسهيلات إلى «القاعدة»؟
- كان يزودهم بكل ذلك ويخوِّف بهم الغرب. وكان يديرهم وفق حاجته لهم فأحياناً ينشطهم وأحياناً يخمدهم. وستكشف الأيام هذه الأمور وقد بدأت فعلاً تتكشف.
كان لدينا شابان في السجن هما أحمد بن فريد وأحمد الربيزي قالا لي انه أثناء وجودهما في السجن كان جمال البنا يتلقى 270 ألف ريال شهرياً داخل السجن ويزودونه بالقات ويسمحون له بالاختلاء بزوجته مرة في الأسبوع في سجن الأمن السياسي، وهو له علاقة بتفجير المدمرة «كول» وما زال مطلوباً من الأميركيين وهو من الحرس الجمهوري. أقول لك أن الأيام ستكشف أن «القاعدة» في اليمن انطلقت من قصر الرئاسة والآن موجودة. هم يتقاتلون في صنعاء ومتفقون علينا في الجنوب. منطقة زنجبار تقسم الجنوب شرقاً وغرباً. علي عبدالله صالح يتولى من يطلقون عليهم اسم «قاعدة بن لادن» وعلي محسن يدعم «قاعدة أنصار الشريعة» ويزودونهم بالطعام والعتاد. وهؤلاء يعيثون الآن في الأرض فساداً فأنصار الشريعة يطبقون قطع اليد ويقومون بإعدامات في زنجبار وقطعوا الجنوب إلى شرق وغرب. هم يتقاتلون هناك لكنهم متفقون على الجنوب لأن علي عبدالله صالح عندما سئل عن استقلال الجنوب قال إنه لن يبقى هناك جنوب بل إمارات مع إرهابيين إسلاميين. والآن الأمور تتضح شيئاً فشيئاً.
* كنت في عدن وتولى علي عبدالله صالح السلطة في 1978. كمسؤول حزبي في عدن ماذا تعرف عن طريقة توليه السلطة؟
- أنا سمعت أنه بعد مقتل الغشمي كان من المفترض أن يتولى الحكم القاضي عبدالكريم العرشي لكن عائلته رفضت خوفاً على مصيره وأخرجوه من تعز لكنه خرج باتفاق. ويمكنك سؤال عبدالله الأصنج كيف وصل علي عبدالله صالح إلى الرئاسة لأنه يعرف أن علي عبدالله صالح كان يُرتب من قِبل عبدالله الأصنج ومستشار في دولة مجاورة هما ساعداه وقدما له الإمكانات وعند اجتماعهم في هيئة الأركان أخرج مسدسه وقال إنه هو يجب أن يكون الرئيس وفعلاً وزعت إمكانات على ضباط وعلى أعضاء مجلس الشعب وأصبح رئيساً. وهو يعترف أنه وصل إلى الرئاسة بمسدسه.
قبل ذلك دعي الرئيس إبراهيم الحمدي لتناول الطعام في منزل الغشمي الذي كان رئيساً للأركان وكان علي صالح حاضراً. هناك تم قتل الحمدي وأخيه. وللتضليل تم استقدام مضيفتين فرنسيتين إلى مسرح الجريمة للإيحاء بوجود قصة أخلاقية. كانت مؤامرة للتخلص من الحمدي وقد نجحت. الأيام المقبلة ستكشف أشياء كثيرة.
* حدثنا عن مقتل الغشمي. من كان وراء فكرة قتله ولماذا، هل كان ذلك ثأراً للحمدي لأنه كان وحدوياً؟
- قرار اغتيال الغشمي اتخذه الرئيس (اليمني الجنوبي) سالم ربيع علي (سالمين) ونفذه بواسطة أجهزة الأمن من دون علمنا. أقنعت الأجهزة شاباً بحمل حقيبة ملغومة وفتحها أمام الرئيس الغشمي مباشرة وبحجة وجود رسالة موجهة إليه فيها. وتحمس الشاب إذ أقنعوه انه سيكون شهيد الوحدة. ذهب الشاب وفتح الحقيبة وقتل الغشمي. نحن رفضنا هذا الأسلوب وحاولنا مساءلة الرئيس فلجأ بعض المقربين منه إلى السلاح وأعدم لاحقاً مع شخصين آخرين.
عثر لاحقاً بين أوراق سالمين على رسالة تقول أضيفوا «تي إن تي». كان قرارنا أن يغادر سالمين إلى أثيوبيا لكنه ركب رأسه وكان لا بد من وضع حد للاشتباكات كي لا تمزق البلد.
* هل زرت العراق بعد غزو الكويت؟
- نعم مع الملك حسين وياسر عرفات رحمهما الله من أجل أن نتكلم مع صدام على أساس أننا معنيون. كنت نائباً للرئيس (في دولة الوحدة) فحرصت أن أكون مستمعاً للزعماء لكن بعدما طفح الكيل قلت له نحن من «دول الضد» ونحن الآن متهمون بأننا مشتركون ونحن نريد أن نبدي رأينا فنحن لا نريد أن تستمر هذه الوضعية ويجب أن يكون هناك تفكير بالانسحاب وهذا لا يزال ممكناً. أميركا حشدت نصف مليون (جندي) في الخليج ليسوا هناك بغرض السياحة ولا يجوز أن تتمسك بموقفك ولا يحق لك أن تحتل بلداً. وقلت له لا يمكنك أن تقوم بهذا العمل منفرداً وتحملنا نحن المسؤولية. صمت صدام أمام تعليقي ولم يتكلم.
* هل طلب الملك حسين من صدام الانسحاب؟
- حديثهم جميعاً كان حميماً بسبب المعرفة القديمة بينهم بينما أنا لا أعرفهم ولم يكن لائقاً أن أحضر اللقاء كاملاً كنائب للرئيس.
* هل شرح ياسر عرفات لصدام أخطار البقاء في الكويت؟
- توجهنا إلى بغداد لإقناعه لكن لدى وصولنا لم يكن هناك موقف بالشكل الذي كنا نتمناه. وفي صباح اليوم التالي توجهت إلى لقاء صدام مجدداً وقلت له إن اليمن معك أطلب منك إطلاق الرهائن الأجانب (هولنديون) وتم إطلاق سراحهم، ثم تردد لاحقاً أنه ندم على إطلاقهم لأنهم كانوا دروعاً بشرية. وقلت له في حينها أن يعيد التفكير في المسألة إذ كانت لا تزال لديه الإمكانية للحوار وضرورة النظر إلى الأمام لأن الوضع واضح والحشود ليست لمجرد الضغط فقال إن الأمور (عسكرياً) مرتبة إلى مستوى السَرِيَّة.
* ماذا كان موقف علي عبدالله صالح من الغزو العراقي للكويت؟
- كان مع صدام. وتوجهت معه سوياً ومعنا ياسين سعيد نعمان، كان حينها رئيس مجلس النواب، ومجاهد أبو شوارب، كان نائب رئيس الوزراء، لنقول كلمة لإنقاذ البلد والوضع العربي من هذا المأزق الكبير وتكلمنا مع صدام. التقيت بصدام خلال الأزمة مرتين.
* كيف كان اللقاء بين علي عبدالله صالح وصدام حسين؟
- كانا يتكلمان في خلوتهما وعندما كنت أقترب منهما يتوقفان عن الحديث. شعرت أن هناك أمراً غير طبيعي بينهما. لم نخرج بنتيجة. وجدد صدام تأكيده لنا أن كل الأمور مرتبة (عسكرياً) إلى مستوى السَرِيَّة.
لدى عودتنا أعلن علي عبدالله صالح التعبئة في اليمن واتخذ موقفاً عسكرياً مباشراً وأخذ موقفاً في مجلس الأمن ضد القرار من دون علمنا. نحن مررنا إلى المملكة العربية السعودية في طريقنا إلى العراق والتقيت مع ولي العهد في حينه الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والتقى علي عبدالله صالح الملك فهد بن عبد العزيز. قال ولي العهد إننا نريد أن يكون هناك حل. عندما توجهنا إلى بغداد وتحدثنا إلى صدام قلنا له إن عليه أن يكون لديه قبول للحوار لأنه الفرصة للخروج من هذه المشكلة وقد يتمكن من معالجة الأمور في شكل أفضل من أي يوم لاحق. وبقي على موقفه قائلاً إن الأمور مرتبة. ولم يكن أي من المسؤولين العراقيين يتكلم. وقد قابلت صدام مع عبد الكريم الأرياني، وزير الخارجية، في حضور مجموعة من القيادات العراقية وتحدثت أمامهم لإسماع رأي اليمنيين فقلت نحن الآن محسوبون على هذا الطرف وليس لنا رأي في ما يدور. ثم اتفقنا على إصدار بيان فاستفسر عبدالله الحوراني من منظمة التحرير الفلسطينية عمَنْ سيُعِّد البيان، قائلاً نحن لن نعده لأن فيه خطورة، فقلنا له نحن فدائيون تاريخياً. وطلبنا من عبدالكريم الأرياني إعداد بيان حول الاجتماع الذي عقد.
توجهنا إلى مصر وكان علي عبدالله صالح يختلي بحسني مبارك ثم عرفت لاحقاً بالتواتر أنهم كانوا سيقدمون لمبارك جزءاً من الأموال التي سيجنونها من الكويت لكنني لم أسمع ذلك مباشرة. التقينا بمبارك في الإسكندرية واختلى مبارك وصالح أكثر من مرة في ركن منفرد. الحديث الذي دار أمامنا كان حديثاً عاماً من دون التطرق إلى أي شيء محدد لكنهما كانا يدعوان إلى أهمية اجتماع القادة العرب لحل المشكلة.
بعد عودتنا استخدم علي عبدالله صالح صوتنا في مجلس الأمن فمجلس الأمن كان للجنوبيين. لدى قيام الوحدة كنا نحن الجنوبيين أعضاء في مجلس الأمن وعبدالله الأشطل كان يمثلنا قبل أن يصبح ممثلاً للجمهورية اليمنية، وكان المقعد أساساً لدولة اليمن الديموقرطية الشعبية. وقد اتخذ صالح ذلك الموقف ونحن لم نكن موافقين عليه لأنهم استغلوا الموقف في مجلس الأمن وكنا نرأس مجلس الأمن في حينه. حاولت الاتصال بعلي عبدالله صالح فلم أفلح في التحدث إليه ولم أكن مقتنعاً. تلك الأزمة كانت الأولى التي واجهها طرفا الوحدة إذ بعد إنجازها بأشهر اجتاحت قوات صدام الكويت.
* على الصعيد الشخصي هل كانت هناك علاقة طيبة بينك وبين علي عبدالله صالح؟
- علاقتنا كانت عادية وكنت أجلس معه لثنيه قدر المستطاع عن أي تصرف خاطئ. أنا لا أخزّن فاضطررت إلى مشاركته التخزين لأتحدث إليه وهو كان سريعاً في اتخاذ القرارات، على رغم أن بعض قراراته كان عن اقتناع. كان مثابراً على خروجه في وقت معين وتحركاته التي لم نكن نعرف عنها واتصالاته بالفعل من أعلى مستوى إلى أدنى مستوى في كل محافظة. واستخدم كل الإمكانات المتاحة للتأثير في الناس بالترغيب والترهيب. لديه عقلية تآمرية.
* هل كان هناك اتصال بينكما بعد 1993 و1994؟
- سنة 1995 انتقلت من دار الضيافة في سلطنة عُمان إلى منزل. وأنا من عادتي أن أنام باكراً فأبلغني موظفو الاتصالات لديّ أن السيد محمد بن محمد المنصور، وهو شخصية معروفة في اليمن من علماء الدين، وهو رجل تقي كبير في السن تحاور معنا عندما كنا في عدن وكان إلى جانبنا يريد التحدث إليّ. فنهضت في الساعة الحادية عشرة ليلاً فسمعت أصوات تشويش (تنصت) قبل أن أسمع صوته. علي صالح كان لديه جهاز اتصالات هاتفية مدرب من قبل الألمان الغربيين ويعرفون مكان تواجد كل شخص ومن هم أهله وما هي الأماكن التي يرتادها، فهو كان جهازاً استخباراتياً وليس فقط جهاز اتصالات هاتفية. بعدما تحدثت إلى المنصور دخل فجأة علي عبدالله صالح على الخط وقال لي لماذا أنت لا تتكلم، هل تكتب مذكراتك؟ قلت له أنا معك فعندما تخرج من الحكم نكتب مذكراتنا سوياً. قال لي حرفياً: قل لأولادك أن يعودوا لاستعادة المنزل. وكانوا استولوا على منزل أولادي الكبار. قلت له أنت استوليت على البلد كلها وأولادي مثل الناس وأنت أنظر إلى معاناة الناس والشعب ومشاكلهم فهم مسؤوليتك. قال لي أنت لست وصياً عليهم. قلت له أنت موجود وتعمل ما تريد أما أولادي فلا علاقة لك بهم ولا ببيتنا ولا نطلب منك شيئاً فقد راحت البلد كلها وأغلقت الهاتف في وجهه. ومن حينها لم أتحدث إليه نهائياً على رغم أنه حاول أن يوسط بعض الناس. لم أتحدث معه لأنني أعرف كيف يفكر هذا النوع من الناس وأعرف أن لا جدوى من الحديث معه. وبعد ارتكاب هذه الجرائم كلها من الصعب أن أتحدث إليه وهو إنسان لا يُؤتَمن متخلف متآمر يريد السلطة مهما كان الثمن. وأنظر الآن يتقاتلون في ما بينهم، هو وأخوانه، وبيت الأحمر منقسمون جزءين: صادق وعلي محسن من جهة وعلي عبدالله صالح وإخوانه من الجهة الأخرى ويعاني الشعب كله بينهم والمساكين في ساحات التغيير.
التاريخ بيننا وسنرى إلى ما ستؤول إليه الأمور. علي عبدالله صالح انتهى. الجريمة التي ارتكبها لا تُغتفر وبدل محاكمته يبحثون عن عفو له ولمن معه. وفي المقابل هناك من يطلب العفو لعلي محسن والطرف الآخر، وفي النهاية يمكن أن يصدر عفو عن الجميع.
*المصدر: دار الحياة