بحزنٍ بالغ تلقيت نبأ إعفائي من عملي إثر خلاف سابق مع مدير المنشأة التي أعمل لحسابها وهو خلاف حول الوسائل الأخلاقية لانجاح العلاقة فيما بين العاملين كجزء ركيز ومقدمة لنجاح العمل برُمته، وشعرت وقت ذلك النبأ أنني أضعت فرصة ذهبية في الاستفادة المعنوية والمادية في ذلك العمل، وأخذ ذلك الشعور "الحزين" من قلبي مساحة كبيرة حتى ظهرت الآثار على نظراتي وقسمات وجهي ونبرة حديثي، وكأن القيامة قد قامت!
كان هذا قبل نحو أربعة أعوام من الآن، وتكرر معي الحال ذاتها غير مرّة وفي كلٍ منها كنت أحمل نفس الشعور، ولم أعلم أني أجرُّ خلفي ذلك القصور البشري في النظر "المُجرّد" لمجريات الوقائع وعواقبها، فالأبواب التي ظننت أنها موصدة .. حتماً تُفتَح، وما فاتت فرصة إلا وتلتها فُرَص أكثر إقناعاً وإغراءً، ولرجل من الناس تجربة من نوع آخر فحين وقف على أعتاب الحياة الزوجية: اختار العروس واقترب موعد اللقاء، وإذا بسبب بسيط يحول دون اللقاء، ولم يعلم صاحبنا "خير" هذا "الشر" إلا حين عوضه الله بعروس أخرى قيل أنها فاقت الأولى بميزاتٍ شتى، فتحول الخير السابق إلى شر، وتجاوز الرجل الشر إلى الخير، حتى بدا "فسخ الخطوبة" السابقة وكأنه نجاة من "حبل المشنقة" فحين يُسأل الآن:يافلان كيف لوتزوجت فلانة –محبوبته الأولى- فيرد بارتياح: الحمدلله الذي نجّاني ثم أكرمني، وهكذا الإنسان لا يعلم أين الخير الذي ينتظره، وفي مثل هذا يقول الله عزوجل"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم" بل "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" فسبحان من بيده حكمة الأقدار، وأمام هذه الحقيقة النفيسة يجثو العبد الفقير الضعيف مدركاً بأن كل محنة تتلوها منحة، وأن الإشكال ليس شراً محضاً، كما أن السلامة ليست خيراً محضاً، فكم من المفاجآت السارّة لم تكن سوى انتقال من همٍ إلى غم، وكم من المفاجآت المحزنة تحولت إلى نقلة إيجابية أكسبها مُر البداية حلاوة النهاية، فبعض الحوادث تحمل سِمة الشر والسوء وإذا بها مجرد باب لخيرٍ يخفى على قاصر النظر مثلي ومثلك!!
مثل هذه التجارب القليلة البسيطة تجعلنا نعيش معنى أن "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأكَ لم يكن ليصيبك"، وأن "مع العُسر يُسراً"، "وأن النصر مع الصبر"، فلا يقنطنّ أحد مما يسوؤه من الحال أو المآل، فُرُبّ شدة أعقبها فرَجٌ قريب، ورُبّ حزنٍ جرفه فرَحٌ مهيب، ولا إشكال إلا مع النفس.. مع الإنسان العَجول:الذي لا يقرأ الأسرار في الأقدار، ولا يدرك بأن لا خيرٌ محض إلا جنّة الخُلد ولا شرٌ محض إلا النار، فعلامَ الحزن وقد جرت بالصُّحف الأقدار، وعلامَ الهمّ وما زال في الوقت مُتسعٌ للتجارب واستيعاب المصاعب دام وأن الشمس لم تطلع من مغربها بعد!!
فإلى نفسي الذاهبة .. وإلى كل نفسٍ تحزن على شيءٍ إذا ذهبَ .. أقدم هذه التعزية.
* أحد مشرفي المجلس اليمني
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,19 ديسمبر 2020
الساعة 03:22
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 792.00 | 727.00 | |
ريال سعودي | 208.00 | 204.00 |