في الوقت الذي تسعى فيه الرئاسة اليمنية إلى إيجاد حلول للأزمة القائمة مع جماعة أنصار الله (الحوثيون) من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية وتخفيض أسعار البنزين والكيروسين، يخشى رجال أعمال يمنيون من تردي الأوضاع واحتمالية نشوب حرب في البلد الذي تطارده أزمات اقتصادية متلاحقة.
وأطلق الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أمس الثلاثاء، مبادرة رئاسية، تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية بالإضافة إلى تخفيض أسعار البنزين والكيروسين بنحو 12.5%.
وكانت الحكومة قد رفعت الدعم عن الوقود بنسبة تتراوح بين 80 و120%، تضمنت رفع سعر "دبة" جالون البنزين سعة 20 لتراً من 2500 ريال (11.6 دولار) إلى 4000 ريال (18.6 دولار)، غير أن الحكومة تراجعت خطوة للوراء في مسعى لتهدئة المحتجين ضد رفع أسعار الوقود.
وتضمنت الإجراءات الجديدة خفض سعر "دبة" جالون البنزين إلى 3500 ريال. وتعاظمت المخاوف في صنعاء من نشوب حرب بعد إعلان الحوثيين عن المرحلة الثالثة من التصعيد في احتجاجاتهم المسلحة، والتي أطلق عليها "الحسم الثوري" من خلال تظاهرات واعتصامات تهدف إلى شل الحركة في عدد من شوارع العاصمة صنعاء الحيوية التي تضم المؤسسات الحكومية.
وهددت الجماعة باستمرار ذات التصرفات بشكل يومي حتى الاستجابة لمطالبها المتمثلة في إسقاط الحكومة والتراجع عن قرار رفع دعم الوقود.
وعبر رجال أعمال ومستثمرون عن القلق العميق من تدهور الأوضاع الأمنية في اليمن بسبب الأعمال، التي يمارسها الحوثيون، بالتزامن مع نزوح بعض السكان من العاصمة إلى الأرياف أو الى مدن أخرى، في ظل تزايد المخاوف من أن تصبح صنعاء ساحة لتصفية الحسابات من خلال المواجهات المسلحة.
وقال عبد الحكيم المعمري، وهو رجل أعمال ووكيل ساعات أوميجا العالمية في اليمن، إنه أُجبر على مغادرة منزله في منطقة الحصبة بسبب تزايد أعداد المسلحين من أطراف مختلفة.
وقال المعمري لـ"العربي الجديد": "نصب المسلحون نقاط تفتيش وكانوا يخضعون سيارتي للتفتيش في كل مرة أعود فيها الى منزلي.
لقد تعاظم خوفي وأسرتي من حدوث اشتباكات واضطررت إلى مغادرة المنزل باتجاه الضاحية الجنوبية للعاصمة حيث قمت بشراء منزل جديد".
وأجبرت التطورات السياسية في اليمن، منذ قيام ثورة الشباب في فبراير/شباط 2011، عدداً كبيراً من رجال الأعمال اليمنيين على المغادرة خارج البلاد وأغلبهم نقل أعماله إلى دبي. ويعيش اليمن أوضاعاً اقتصادية صعبة ويواجه تحديات الفقر والبطالة بالإضافة إلى تحديات أمنية كبيرة، حيث تعجز الحكومة عن حماية منشآت وحقول النفط، التي تتعرض لاحتجاجات وتفجيرات متتالية كلّفت اليمن خسائر تفوق 3.5 مليار دولار في السنوات الثلاث الأخيرة، وفق تقديرات حكومية.
ويقول مراقبون إن اليمن لا يحتمل انفجار مواجهات مسلحة داخل العاصمة، فالاقتصاد اليمني في وضع مأساوي، إذ يعاني من الركود الشامل والحرب ستؤدي إلى كارثة اقتصادية ربما تبدأ من تدمير البنية التحتية الخربة بالأساس، ولن ينتهي الأمر إلا بانهيار الاقتصاد شامل وإفلاس الدولة.
وقال الخبير الاقتصادي منصور البشيري، إن الحرب تدمر البنية التحتية والمقومات الاقتصادية التي فشلت الحكومة في الاستفادة منها منذ الثورة نتيجة التحديات الأمنية.
وأضاف البشيري لـ"العربي الجديد": "الدخول في حرب سيفاقم من مشكلات الاقتصاد وسيخلق مشكلات جديدة منها ارتفاع معدلات سوء التغذية وإعاقة الجهود التنموية التي تعمل بصورة بسيطة وبطيئة في الوضع الطبيعي".
وحذر من أن اندلاع مواجهات مسلحة سيؤدي إلى تخلي المانحين عن دعم الاقتصاد اليمني وتوقف المبالغ المرصودة من قبل مجموعة أصدقاء اليمن، "فأغلب مساعدات المانحين هي لتنفيذ البرامج الاستثمارية".
ويقول مسؤولون في الحكومة اليمنية إن البلاد بحاجة إلى مساعدات عاجلة لا تقل عن 11 مليار دولار لتلبية المطالب الإنسانية، وهو ما وعد أصدقاء اليمن بتلبيته لكن وفق اشتراطات وبرنامج إصلاحي يتضمن رفع الدعم عن الوقود، وهو القرار الذي اشتعلت الأحداث الجارية بسببه.
وبالإضافة إلى تحديات حصار صنعاء من قبل حركة الحوثي، يخوض الجيش اليمني حرباً ضد تنظيم القاعدة في حضرموت جنوب شرق البلاد، ما يضيف أعباء كبيرة على الحكومة والموازنة العامة.
وأدت المخاوف من نشوب حرب في اليمن إلى هروب استثمارات أجنبية ضخمة، ولا سيما تلك التي تنشط في قطاع النفط، وقال الرئيس عبد ربه منصور هادي، خلال استقباله وفداً من شركة توتال الفرنسية يوم الإثنين، إن 34 شركة نفطية غادرت البلاد نتيجة تزايد نشاط الجماعات الإرهابية.
وقال تقرير حكومي حديث إن رفع الدعم عن المشتقات النفطية وبصورة عاجلة أصبح ضرورة حتمية في ظل نقص الموارد، موضحاً أن الحكومة انفقت خلال العشر السنوات الماضية حوالي 5 تريليونات ريال (22 مليار دولار) على دعم المشتقات النفطية.
ويحذر رجل الأعمال جمال المترب، من نشوب حرب مؤكداً أن الثمن الاقتصادي لحالة القلق الذي تعيشه البلاد سيكون فادحا مع الوقت.
وقال لـ "العربي الجديد": "في حال الحرب ستنهار الدولة كاملة وعواقب انهيار الدولة ستكون كارثية على التجارة والاستثمار وستؤدي الى دمار أي أفق اقتصادي للدولة الفقيرة".
ويقول نائب رئيس غرفة تجارة العاصمة صنعاء، محمد صلاح، لـ "العربي الجديد": "المخاوف من حدوث حرب ستؤدي إلى مغادرة رؤوس الأموال خارج البلاد بحثاً عن بيئة مستقرة، وحدوث مواجهات مسلحة سيؤدي الى كارثة اقتصادية واجتماعية وانسانية وأزمة في المواد الغذائية".
وأدت حالة القلق والخوف والترقب التي تعيشها البلاد إلى ركود تجاري ، وأغلقت محلات تجارية أبوابها طيلة الأيام الماضية وتأثرت حركة الاستيراد والتصدير إلى حد بعيد.
وتوقع الباحث في البنك المركزي أحمد شماخ، لـ "العربي الجديد": "منذ عام 2011 وحتى الآن رصدنا هجرة أموال كثيرة بالعملة الصعبة وأموال تم تهريبها بطرق غير رسمية".
* فاروق الكمالي
* فاروق الكمالي