لم يترك يوماً الورقة والقلم، فهما صديقَي دربه منذ عقود، يسطّر بهما الشعر وسيناريوهات المسلسلات والأفلام الوثائقية، لكنه بات اليوم يستخدمهما لغرض آخر، هو دراسة اللغة السويدية، بعد أن أستقر فيها. فسنوات خبرته في العمل التلفزيوني، التي تجاوزت الأربعين عاماً، لم تمنعه من السعي لتعلم هذه اللغة، متحدياً في الوقت ذاته طلبة ربما هم بأعمار من درّسهم الإعلام، وطريقة التقديم التلفزيوني في اليمن.
علي صلاح أحمد، تنقل في اليمن على أوتار الأنواع الإعلامية جميعها، فمن مدير عام للبرامج في القناة الرسمية اليمنية، وكبير المذيعين، إلى رئيس شركة لإنتاج الأفلام الوثائقية، وصولاً إلى إعداد البرامج والدراما الإذاعية.
الرجل الستيني الحاصل على أكثر من ميدالية ذهبية في العديد من المهرجانات في اليمن وخارجها، ترك الأضواء والكاميرات لظروف قاهرة، وجاء ليعيش في ظلٍ يراه آمناً هو ظل السويد.
" الكومبس " زارته في المدرسة التي يتعلم بها اللغة السويدية، وكان للماضي والحاضر والمستقبل نصيب من هذه المقابلة:
هل من السهل أن تنتقل فجأة من مدرس للعديد من الشباب الإعلاميين الى طالب؟
هما عمليتان مقدستان، ليس هناك ما هو أجمل من أن تكون مُعلّما، إلا أن تكون متعلماً، غير أنني لا أخفيكِ أن العملية الأخيرة تلقي بعبئها على عمر أرهقته الأيام، فأصبح التحصيل للمادة العلمية شاقاً، خاصة إذا كان الوافد الجديد والمقصود به اللغة السويدية، ستأت لتنافس حبيبا يصعب فراقه وهو اللغة العربية.
ماذا تقصد بأن اللغة السويدية ستنافس العربية ؟
اعتدت أن أكون ضليعاً باللغة التي أتعامل بها، وبالتالي أجد نفسي ملزماً أن تكون السويدية بنفس قوة اللغة العربية، وهذا صعب، ويكاد يكون مستحيلاً، مما يجعلني أشعر أن هناك تزاحم ومنافسة غير متكافئة بين اللغتين.
الانتقال من مجتمع إلى آخر ربما يكون صعبا لكثيرين فكيف ترى أنت هذا الأمر؟
شخصياً لم أجد صعوبة بالمطلق لأن الإعلامي يجد نفسه قريباً من كل الحضارات والشعوب، وفي مجتمع ديمقراطي كالسويد، يسهل العيش للوافد الجديد، إذ ليس هناك من يستنكر وجودك، أو مقوماتك، فلك أن تأخذ أفضل ما عند الآخر، وتبقي أفضل ما لديك، وبالتالي تتشكل شخصية حضارية مناسبة للعيش المشترك.
هل ترجمتَ الغربة أبياتا شعرية كونك شاعراً أيضاً؟
نعم، الغربة في مفهومي لها معانٍ أخرى غير ما ألفها الناس، ربما قد تكون الغربة في ذاتك ومن ذاتك وبين أهلك وعشيرتك، وقد تجد لدى الآخر مستقراً آمنا، وطمأنينة كما يقول الشاعر:
"ارحل تجد عوضا عمن تفارقهم ... أهلا بأهل وجيرانا بجيرانِ".
الوطن لم يفارقني بالأصل، وإن كنت قد غادرته فهو يسكنني الآن بعد أن كنت أسكنه، وربما أبياتي الشعرية تؤكد لك على أني في الوطن والوطن فيّ.
يصمتُ للحظات، ثم تدمع عيناه، وتختفي ملامح القوة بصوته ويحل محلها حزن بدى لي نبيلا وهي يخاطب الوطن الأم التي فارقها، او كما قال ارتحل معها في تبادل للأدوار لا يمكن التعبير عنه الا شعرا فيقول:
قررت سجنك في الضلوع فلا فرار
سأفر منك إليك حتى الانصهار
قررت أن نتبادل الأدوار
فلسوف تسكن في دمي من بعد أن كنت
أسكنها الديار
ومعا نسافر نكمل المشوار
أنت كاتب سيناريو للعديد من المسلسلات كالإعصار، ألف ليلة وليلة، المقامات الرمضانية، والمحاكمات الأدبية...الخ، هل يمكن أن تكتب مسلسلاً دراميّاً أحداثه مستقاة من المجتمع السويدي الذي وفدت إليه؟
هذا طموح ما لبث يراودني منذ وصلت إلى السويد، الحياة هنا خصبة وأعني حياة المهاجر بكل ما فيها من مفارقات وهذا عامل مهم يثري العملية الدرامية، تظل المشكلة في الجهة المنتجة والمسوقة للعمل، وفي ظل هذا النقص حاليا يكون الحل بالاتجاه نحو مايعرف بـ (الديكو دراما) التي تجمع بين التوثيق وتشكيل المشهد دراميا، واعتقد أن هذا سيجد طريقه للترويج في القنوات خارج السويد.
أنت على صلة ببعض الإعلاميين والمثقفين العرب المهاجرين ماهو أبرز التحديات التي تواجهك وتواجههم ؟
التحدي الأول هو اللغة، فالمثقف يهمه في المجتمع أن يصل إلى الآخر ولا نستطيع أن نصل إليه إلا باللغة التي يجيدها، ولكي نعبر عن حضارتنا وثقافتنا بشكل سليم لا بد من الإبداع في تحصيل لغة من نوصل اليهم رسالتنا. على اننا لا نستغني ابدا عن توجيه الرسالة الإعلامية المتوازنة والمتطورة ايضا للناطقين بلغتنا.
والتحدي الثاني هو ضعف التواصل بين الوافدين العرب، وليس ثمة استغلال حقيقي للإمكانات المتاحة التي من خلالها نحافظ على هويتنا، الحقيقة أقول إننا نخشى على أبنائنا من أن يفقدوا مقومات حضارتهم .
كيف يمكن الاستفادة من الخبرات الإعلامية العربية التي وفدت إلى السويد؟
طموحي أن نستغل المناخ الموجود هنا، ونُوجد قنوات مرئية للمشاهد العربي في الداخل والخارج، وأغلب دول العالم خاضت هذه التجربة وأصبحت تنافس لتنال حظها من قيمة المادة الإعلانية.
كيف ستجسد في السويد خبرة أربعين عاما في حقول الإعلام ؟
هذا مالا أعرفه وهذاما يحزنني.
كيف تنظر لتجربة الكومبس في مجال الإعلام الناطق باللغة العربية ؟
لست مطلعا بالقدر الكافي لأحكم على هذه التجربة، لكن من حيث المبدأ هي نواة جيدة للوصول الى الآخر وأرجو أن تتطور.
انتهت فترة الاستراحة المخصصة لينتهي معها حديثنا، وعاد علي صلاح أحمد الذي اعتاد أن يحلق على أجنحة اللغة العربية الى مقعد دراسته ليتعلم موقع الاسم والفاعل في الجملة السويدية.
علي صلاح أحمد، تنقل في اليمن على أوتار الأنواع الإعلامية جميعها، فمن مدير عام للبرامج في القناة الرسمية اليمنية، وكبير المذيعين، إلى رئيس شركة لإنتاج الأفلام الوثائقية، وصولاً إلى إعداد البرامج والدراما الإذاعية.
الرجل الستيني الحاصل على أكثر من ميدالية ذهبية في العديد من المهرجانات في اليمن وخارجها، ترك الأضواء والكاميرات لظروف قاهرة، وجاء ليعيش في ظلٍ يراه آمناً هو ظل السويد.
" الكومبس " زارته في المدرسة التي يتعلم بها اللغة السويدية، وكان للماضي والحاضر والمستقبل نصيب من هذه المقابلة:
هل من السهل أن تنتقل فجأة من مدرس للعديد من الشباب الإعلاميين الى طالب؟
هما عمليتان مقدستان، ليس هناك ما هو أجمل من أن تكون مُعلّما، إلا أن تكون متعلماً، غير أنني لا أخفيكِ أن العملية الأخيرة تلقي بعبئها على عمر أرهقته الأيام، فأصبح التحصيل للمادة العلمية شاقاً، خاصة إذا كان الوافد الجديد والمقصود به اللغة السويدية، ستأت لتنافس حبيبا يصعب فراقه وهو اللغة العربية.
ماذا تقصد بأن اللغة السويدية ستنافس العربية ؟
اعتدت أن أكون ضليعاً باللغة التي أتعامل بها، وبالتالي أجد نفسي ملزماً أن تكون السويدية بنفس قوة اللغة العربية، وهذا صعب، ويكاد يكون مستحيلاً، مما يجعلني أشعر أن هناك تزاحم ومنافسة غير متكافئة بين اللغتين.
الانتقال من مجتمع إلى آخر ربما يكون صعبا لكثيرين فكيف ترى أنت هذا الأمر؟
شخصياً لم أجد صعوبة بالمطلق لأن الإعلامي يجد نفسه قريباً من كل الحضارات والشعوب، وفي مجتمع ديمقراطي كالسويد، يسهل العيش للوافد الجديد، إذ ليس هناك من يستنكر وجودك، أو مقوماتك، فلك أن تأخذ أفضل ما عند الآخر، وتبقي أفضل ما لديك، وبالتالي تتشكل شخصية حضارية مناسبة للعيش المشترك.
هل ترجمتَ الغربة أبياتا شعرية كونك شاعراً أيضاً؟
نعم، الغربة في مفهومي لها معانٍ أخرى غير ما ألفها الناس، ربما قد تكون الغربة في ذاتك ومن ذاتك وبين أهلك وعشيرتك، وقد تجد لدى الآخر مستقراً آمنا، وطمأنينة كما يقول الشاعر:
"ارحل تجد عوضا عمن تفارقهم ... أهلا بأهل وجيرانا بجيرانِ".
الوطن لم يفارقني بالأصل، وإن كنت قد غادرته فهو يسكنني الآن بعد أن كنت أسكنه، وربما أبياتي الشعرية تؤكد لك على أني في الوطن والوطن فيّ.
يصمتُ للحظات، ثم تدمع عيناه، وتختفي ملامح القوة بصوته ويحل محلها حزن بدى لي نبيلا وهي يخاطب الوطن الأم التي فارقها، او كما قال ارتحل معها في تبادل للأدوار لا يمكن التعبير عنه الا شعرا فيقول:
قررت سجنك في الضلوع فلا فرار
سأفر منك إليك حتى الانصهار
قررت أن نتبادل الأدوار
فلسوف تسكن في دمي من بعد أن كنت
أسكنها الديار
ومعا نسافر نكمل المشوار
أنت كاتب سيناريو للعديد من المسلسلات كالإعصار، ألف ليلة وليلة، المقامات الرمضانية، والمحاكمات الأدبية...الخ، هل يمكن أن تكتب مسلسلاً دراميّاً أحداثه مستقاة من المجتمع السويدي الذي وفدت إليه؟
هذا طموح ما لبث يراودني منذ وصلت إلى السويد، الحياة هنا خصبة وأعني حياة المهاجر بكل ما فيها من مفارقات وهذا عامل مهم يثري العملية الدرامية، تظل المشكلة في الجهة المنتجة والمسوقة للعمل، وفي ظل هذا النقص حاليا يكون الحل بالاتجاه نحو مايعرف بـ (الديكو دراما) التي تجمع بين التوثيق وتشكيل المشهد دراميا، واعتقد أن هذا سيجد طريقه للترويج في القنوات خارج السويد.
أنت على صلة ببعض الإعلاميين والمثقفين العرب المهاجرين ماهو أبرز التحديات التي تواجهك وتواجههم ؟
التحدي الأول هو اللغة، فالمثقف يهمه في المجتمع أن يصل إلى الآخر ولا نستطيع أن نصل إليه إلا باللغة التي يجيدها، ولكي نعبر عن حضارتنا وثقافتنا بشكل سليم لا بد من الإبداع في تحصيل لغة من نوصل اليهم رسالتنا. على اننا لا نستغني ابدا عن توجيه الرسالة الإعلامية المتوازنة والمتطورة ايضا للناطقين بلغتنا.
والتحدي الثاني هو ضعف التواصل بين الوافدين العرب، وليس ثمة استغلال حقيقي للإمكانات المتاحة التي من خلالها نحافظ على هويتنا، الحقيقة أقول إننا نخشى على أبنائنا من أن يفقدوا مقومات حضارتهم .
كيف يمكن الاستفادة من الخبرات الإعلامية العربية التي وفدت إلى السويد؟
طموحي أن نستغل المناخ الموجود هنا، ونُوجد قنوات مرئية للمشاهد العربي في الداخل والخارج، وأغلب دول العالم خاضت هذه التجربة وأصبحت تنافس لتنال حظها من قيمة المادة الإعلانية.
كيف ستجسد في السويد خبرة أربعين عاما في حقول الإعلام ؟
هذا مالا أعرفه وهذاما يحزنني.
كيف تنظر لتجربة الكومبس في مجال الإعلام الناطق باللغة العربية ؟
لست مطلعا بالقدر الكافي لأحكم على هذه التجربة، لكن من حيث المبدأ هي نواة جيدة للوصول الى الآخر وأرجو أن تتطور.
انتهت فترة الاستراحة المخصصة لينتهي معها حديثنا، وعاد علي صلاح أحمد الذي اعتاد أن يحلق على أجنحة اللغة العربية الى مقعد دراسته ليتعلم موقع الاسم والفاعل في الجملة السويدية.