في مشهد يعيد إحياء أمجاد الماضي ويحبس أنفاس الملايين، نجح شابان أردنيان في تحقيق المستحيل عبر قطع مسافة 1200 كيلومتر على ظهور الإبل من الأردن إلى الديار المقدسة - في أول رحلة حج بدوية منذ أكثر من 50 عاماً. حمزة وعبدالله الجازي الحويطات حولا حلماً جامحاً إلى حقيقة مذهلة تهز القلوب وتبكي العيون، في ملحمة وفاء نادرة لذكرى الملك الحسين بن طلال.
الانطلاق كان مهيباً من قصر الملك المؤسس عبدالله الأول في معان، حيث امتزجت دموع الوداع بأصوات التكبير والدعاء. الحاج محمد الحويطي، شاهد على هذه اللحظة التاريخية، لم يتمالك دموعه وهو يقول: 'شاهدت بعيني إحياء تقاليد اختفت منذ عقود.' أم حمزة ودعت ابنها بقلب ينبض فخراً وقلقاً، بينما تصاعدت أصوات التلبية مع خطوات الإبل الأولى نحو المجهول. الشيخ فيصل البدوي، 75 عاماً، آخر من سلك هذا الطريق قبل 45 عاماً، قدم نصائحه الثمينة للشابين وهو يرتجف من الإثارة: 'هذا طريق الأجداد الحقيقي.'
هذه الرحلة الاستثنائية تحمل رمزية تاريخية عميقة، حيث تعيد إحياء طرق الحج القديمة التي سلكها الأجداد لمئات السنين. د. أحمد التراثي، أستاذ التاريخ، يؤكد: 'هذه المبادرة تعيد إحياء تراث مملكة كندة القديمة وتجديد ارتباطنا بتاريخنا العريق.' الدافع وراء هذه المغامرة الجريئة هو تكريم ذكرى الملك الحسين وتعزيز الانتماء للقيادة الهاشمية، في زمن يطغى فيه الحداثة على القيم الأصيلة. توقعات الخبراء تشير إلى أن هذه الرحلة ستلهم مبادرات تراثية مشابهة وتعزز السياحة التراثية في المنطقة.
التأثير يتجاوز حدود الجغرافيا ليصل إلى قلوب الملايين، حيث تعيد هذه المبادرة الجريئة إحياء النقاش حول أهمية التراث في حياتنا اليومية. أم سارة الحويطية، 60 عاماً، فقدت ابنها في رحلة صحراوية مماثلة قبل عقود، تدعو للشابين بالسلامة وعينيها تفيض دموعاً: 'كل خطوة يخطونها تحيي ذكرى أبنائنا الذين ضحوا من أجل التراث.' الفرصة متاحة الآن لتطوير السياحة التراثية وجذب استثمارات ضخمة، لكن التحديات تكمن في مواجهة الظروف الصحراوية القاسية والحاجة لدعم حكومي أكبر للمشاريع الثقافية.
ومع اقتراب الشابين من الحرمين الشريفين وسط استقبال سعودي حافل، تبقى هذه الرحلة شاهداً حياً على أن الإرادة الحديدية قادرة على تحدي المستحيل. محمد العتيبي، المصور السعودي الذي رصد لحظة وصولهما، وصف المشهد بأنه 'أجمل ما شاهدت في حياتي - دموع الفرح تختلط برائحة البخور ونسمات الصحراء.' هذه المبادرة الجريئة تفتح الباب أمام سؤال جوهري: في عالم يركض نحو المستقبل بسرعة الضوء، هل سنتذكر من أين جئنا؟ هل سنحافظ على تراث أجدادنا، أم سنتركه يذوب في زحمة التكنولوجيا؟