بعد 90 يوماً من الانتظار الذي أنهك الأعصاب والجيوب، أعلنت الدائرة المالية للقوات المسلحة الجنوبية في عدن صاعقة خير حقيقية: بدء صرف مرتبات أسر الشهداء والجرحى المعاقين، مع منح الدفعتين الثالثة والرابعة مرتبات ثلاثة أشهر كاملة دفعة واحدة. للمرة الأولى منذ شهور طويلة، تشرق وجوه منهكة بالأمل في طوابير بنك البسيري.
أم حمزة، الأرملة الأربعينية التي تعيل 4 أطفال براتب ابنها الشهيد، لم تصدق الخبر في البداية: "ظننته مجرد إشاعة أخرى، لكن عندما رأيت المبلغ في حسابي البنكي، بكيت من الفرح". المشهد تكرر مع مئات الأسر التي اجتاحتها موجة ارتياح مختلطة بالحذر، فالذاكرة لا تزال تحتفظ بمرارة انقطاعات سابقة امتدت لـ 6 أشهر متواصلة العام الماضي.
وراء هذا الإعلان المفاجئ عبر فيسبوك صباح الخميس، تقف أزمة مالية خانقة تضرب القطاع العسكري اليمني منذ بداية الصراع عام 2014. الخبير الاقتصادي د. عبدالله الجنوبي يؤكد أن "تحسن الوضع الأمني في عدن وزيادة الإيرادات النفطية" ساهما في توفير السيولة، لكنه يحذر من عدم الاعتماد على استمرارية هذا النظام في ظل التقلبات السياسية المستمرة.
العريف أحمد المقطري، الجريح المعاق الذي استطاع ببراعة تحويل مرتبه المتأخر إلى مشروع كشك صغير، يمثل نموذجاً ملهماً لآلاف المستفيدين اليوم. تأثير هذا القرار يتجاوز الأرقام المصرفية ليصل إلى شراء الأدوية المؤجلة، وسداد إيجارات متأخرة، وإعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة. الأسواق المحلية في عدن شهدت انتعاشاً فورياً، بينما تتصاعد التساؤلات: هل ستشمل هذه النعمة المحافظات الأخرى؟
رغم الفرحة الغامرة، يبقى السؤال الأكبر معلقاً في الهواء مثل غيمة محملة بالمطر والبرق معاً: هل ستصمد هذه البارقة أمام عواصف الأزمة المالية القادمة؟ النصيحة الذهبية لكل مستفيد اليوم: ادخر جزءاً، واستثمر بحكمة، ولا تعتمد على وعود الغد في بلد تتقلب فيه الأحوال كالرمال المتحركة.
