في تطور مفاجئ هز الأوساط المالية في اليمن، أصدر البنك المركزي في صنعاء قراراً جذرياً يمنح المواطنين شهراً واحداً فقط لتجديد وثائقهم المنتهية الصلاحية قبل توقف جميع معاملاتهم المالية نهائياً. القرار الصادم يستهدف ملايين اليمنيين الذين يحملون هويات منتهية بسبب ظروف الحرب، في خطوة قد تحرمهم من الوصول لأموالهم وحوالاتهم الضرورية.
البنك المركزي شدد في تعميمه الجديد على رفض أي معاملة مالية لحاملي الوثائق المنتهية الصلاحية، مطالباً بتطابق كامل بين هوية العميل وبيانات المعاملة. أحمد المحمدي، موظف خمسيني من تعز، يروي قلقه: "أحمل بطاقة شخصية منتهية منذ سنتين ولم أتمكن من تجديدها بسبب النزوح، والآن قد أفقد راتبي الوحيد". القرار يقبل 5 أنواع وثائق فقط: البطاقة الشخصية برقم وطني، جواز السفر، البطاقة العائلية، بطاقة الضمان الاجتماعي، ورخصة القيادة.
القرار يأتي في ظل ظروف استثنائية تشهدها اليمن منذ سنوات، حيث تعطلت الخدمات الحكومية في مناطق واسعة وأصبح تجديد الوثائق الرسمية تحدياً حقيقياً للمواطنين. د. محمد العنسي، خبير مالي، يعلق: "القرار ضروري لمكافحة المعاملات المشبوهة وتعزيز الشفافية، لكن التوقيت غير مناسب في ظل الأزمة الراهنة". هذا التشديد يذكرنا بالإجراءات المالية الصارمة التي طُبقت عالمياً بعد أحداث 11 سبتمبر، لكن في سياق مختلف تماماً يتسم بالانقسام المؤسسي.
التأثير على الحياة اليومية سيكون مدمراً للعديد من الأسر اليمنية التي تعتمد على الحوالات والتحويلات المالية للبقاء. فاطمة الحبشي، موظفة مصرفية في صنعاء، تشهد على الارتباك الذي يسود البنوك: "العملاء في حالة ذعر، الكثيرون لا يعلمون كيفية تجديد وثائقهم في ظل الظروف الحالية". علي الحداد، صاحب محل تحويل أموال، يتوقع انتعاش السوق السوداء للصرافة: "الناس ستضطر للجوء لطرق غير رسمية، وهذا سيزيد من معاناتهم وتكاليف المعاملات".
مع اقتراب موعد 14 ديسمبر، يواجه اليمنيون سباقاً مع الزمن لتجديد وثائقهم أو مواجهة انقطاع كامل عن النظام المصرفي الرسمي. القرار، رغم نبله في محاربة الفساد المالي، يطرح سؤالاً أخلاقياً عميقاً: هل من العدالة تطبيق معايير مالية صارمة في بلد مزقته الحرب دون مراعاة ظروف المواطنين الاستثنائية؟ الأيام القادمة ستكشف ما إذا كان هذا القرار خطوة نحو نظام مالي أكثر شفافية، أم سيصبح عبئاً إضافياً على شعب يعاني أصلاً من ويلات الحرب.