في تطور صادم يهز أركان الحياة في العاصمة عدن، تقف المدينة على بُعد ساعات قليلة من العيش في عتمة كاملة، حيث تواجه مليون نسمة أزمة وجودية حقيقية مع توقف محطة "بترومسيلة" - الرئة الوحيدة التي تتنفس منها المدينة. العد التنازلي بدأ، والساعات الأخيرة قبل الانطفاء الشامل تمر بوتيرة مرعبة، بينما ترتفع أسعار الغاز إلى 10,500 ريال للأسطوانة الواحدة - رقم يعادل راتب موظف لأسبوعين كاملين.
أم أحمد، ربة منزل في حي التواهي، تقف عاجزة أمام محطة الغاز المغلقة حاملة أسطوانة فارغة، عيناها تحملان قلق الأمهات: "كيف سأطبخ العشاء لأطفالي الخمسة الليلة؟". هذا المشهد المؤلم يتكرر في كل حي من أحياء عدن، حيث تتجمع النساء أمام الأبواب المقفلة للمحطات، بينما تمتلئ شوارع المدينة بأصوات المولدات الكهربائية كصرخة استغاثة أخيرة. محمد العدني، سائق التاكسي، يروي بصوت مكسور: "ذهبت لتعبئة الغاز فوجدت المحطة مغلقة والناس تتجمهر مثل اليتامى على موائد الأغنياء".
جذور الأزمة تمتد عميقاً في التربة اليمنية المضطربة، حيث أدى تمرد قوات عمرو بن حبريش إلى قطع شريان الحياة عن العاصمة - إمدادات النفط الخام من حضرموت. كارثة حقيقية تكشف هشاشة مدينة تعتمد على محطة توليد واحدة لإنارة حياة مليون إنسان، مثل قلب وحيد ينبض في جسد عملاق. د. عبدالله المهندس، خبير الطاقة اليمني، يحذر بنبرة القلق: "هذا ما كنا نخشاه منذ سنوات.. مدينة بحجم عدن لا يمكن أن تعتمد على رئة واحدة للتنفس". التاريخ يعيد نفسه، فعدن التي صمدت أمام كل العواصف، تجد نفسها اليوم في مواجهة عدو غير مرئي أشد فتكاً من الحروب.
الحياة في عدن بدأت تتحول إلى كابوس يقظة، حيث تتوقف المراوح والمكيفات في مواجهة حر المدينة اللاهب، وتفسد الأطعمة في الثلاجات المعطلة، بينما تغرق المستشفيات في ظلام قد يودي بحياة المرضى. خالد السنمي، المسؤول الإعلامي لإدارة أمن عدن، يقود معركة شرسة ضد تجار الأزمات قائلاً بحزم: "الأجهزة الأمنية ستتعامل بحزم مع أي محاولة لاستغلال حاجات المواطنين". لكن السؤال المؤلم يبقى معلقاً في هواء عدن الخانق: هل ستصمد الشرطة في مواجهة موجة غضب شعبي قد تجتاح المدينة مع انطفاء آخر مصباح؟
عدن اليوم تقف على مفترق طرق تاريخي، فإما أن تجد طريقها للنور من جديد، أو تغرق في ظلام قد يمتد لشهور طويلة. المدينة التي كانت يوماً نافذة اليمن على العالم، تحتاج اليوم لمعجزة حقيقية تعيد إليها الحياة. السؤال الذي يحتاج إجابة عاجلة: عندما تنطفئ الأنوار في عدن نهائياً.. من سيضيء الطريق لمليون إنسان يعيشون على حافة الهاوية؟