في تطور صادم هز أركان الاقتصاد اليمني، أصدر البنك المركزي في عدن قرارات تاريخية تُعتبر الأكثر جذرية منذ عقود، بعد اجتماع مصيري استمر ساعات مكثفة يوم الخميس 27 نوفمبر. وللمرة الأولى منذ سنوات الحرب، تتخذ السلطات النقدية خطوات حاسمة لفرض عقوبات صارمة على الجهات المتقاعسة عن إيداع أموال الشعب، مع إعادة تشكيل خريطة أسعار الصرف بالكامل. الساعات القادمة ستكون مصيرية لمستقبل النظام المصرفي اليمني بأكمله.
في قاعة الاجتماعات الفخمة بمقر البنك المركزي، حيث تصاعدت رائحة القهوة القوية مع توتر الأجواء، اختتم مجلس الإدارة دورته التاسعة للعام 2025 - وهو رقم يكشف عن اجتماع مكثف كل 40 يوماً تقريباً لمواجهة أزمات متلاحقة. "البنك مستعد لتقديم كامل الدعم والحماية لجميع البنوك والمؤسسات المالية"، أكد محافظ البنك بصوت حازم، بينما انتشرت موجة قلق عارمة في أسواق الصرافة عبر البلاد. أحمد الحرازي، موظف في أحد البنوك التجارية، يعبر عن قلقه: "نشعر بالخوف والترقب، لكننا نأمل أن تعيد هذه القرارات الاستقرار لعملنا".
هذه القرارات لا تأتي من فراغ، بل تتويجاً لسنوات من الفوضى المصرفية والانقسام المؤسسي الذي مزق الاقتصاد اليمني. لعقود، عانى المواطنون من تذبذب جنوني في أسعار صرف الريال، بينما تقاعست جهات متعددة عن إيداع الإيرادات العامة، مما كلف الخزينة مليارات الريالات شهرياً. تشبه هذه القرارات عملية جراحية دقيقة للاقتصاد المريض، كما تصفها د. فاطمة الشامي، الخبيرة الاقتصادية التي تؤكد: "هذه خطوة ضرورية رغم صعوبتها، مثل قرارات البنك المركزي المصري عام 2016 التي أنقذت الاقتصاد".
بالنسبة للمواطن العادي، تعني هذه القرارات نهاية محتملة لكابوس الأسعار المتقلبة التي حولت التسوق اليومي إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. سالم المحرمي، تاجر عملة في صنعاء، يروي معاناته: "كنت أستيقظ كل صباح لأجد سعر الدولار قد تغير، أحياناً بفارق مئات الريالات". النتائج المتوقعة تشمل استقراراً تدريجياً في أسعار السلع، وتحسناً في القوة الشرائية للرواتب، إضافة إلى انضباط الجهات في إيداع إيراداتها.
- فرصة ذهبية للمستثمرين للدخول في قطاع مصرفي أكثر استقراراً
- تحذير للمضاربين من مواجهة عقوبات صارمة
- دعوة للمواطنين لتحويل تعاملاتهم للبنوك المرخصة
في النهاية، تقف اليمن أمام منعطف تاريخي قد يعيد تشكيل مستقبلها الاقتصادي بالكامل. هذه القرارات، بجرأتها وصرامتها، قد تكون نقطة التحول المنشودة نحو اقتصاد موحد ومستقر، أو بداية صراع جديد بين المؤسسات المتنافسة. الأسابيع القادمة ستكشف ما إذا كان البنك المركزي قادراً على تطبيق قراراته بحزم، أم أن مقاومة الجهات المتنفذة ستحبط هذه المحاولة الجريئة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح هذه القرارات التاريخية في إنهاء عقود من الفوضى المالية التي دمرت حياة ملايين اليمنيين؟