في تطور اقتصادي مذهل يعكس عمق الأزمة اليمنية، يواجه المواطن اليمني صدمة يومية حقيقية: فارق 202% في سعر صرف الدولار الواحد بين شمال وجنوب البلاد. ففي الوقت الذي يدفع فيه مواطن في عدن 1617 ريالاً لشراء دولار واحد، يحصل نظيره في صنعاء على نفس الدولار مقابل 534 ريالاً فقط - أي بثلث التكلفة!
هذا الاستقرار النادر للريال اليمني في العاصمة المؤقتة عدن يخفي وراءه مأساة حقيقية تتجسد في قصة أم محمد، ربة البيت في عدن، التي تضطر لدفع 425 ريالاً لتحويل 100 ريال سعودي من ابنها المقيم في الرياض، بينما لو كانت في صنعاء لدفعت 140 ريالاً فقط. "كيف أفسر لأطفالي أن نفس المال له قيمة مختلفة في بلدنا؟" تتساءل بحرقة، بينما تعد أوراقها النقدية المتهالكة بأصابع مرتجفة.
جذور هذا الانقسام النقدي المؤلم تعود إلى سنوات الحرب التي مزقت اليمن إلى كانتونات سياسية واقتصادية متناحرة. فمنذ انقسام البنك المركزي إلى فرعين متنافسين، تحولت العملة اليمنية الموحدة إلى ميزان مكسور يعطي وزناً مختلفاً للشيء نفسه حسب المكان. يؤكد الخبير الاقتصادي د. سالم المالكي أن "هذا الفارق الصادم يعادل المسافة بين الأرض والقمر في عالم المال، ويعكس انهياراً كاملاً للسيادة النقدية".
في هذا المشهد الاقتصادي السوريالي، يجد محمد التاجر من حضرموت نفسه مضطراً لنقل تجارته عبر صنعاء لتوفير 60% من تكلفة استيراد البضائع، محولاً رحلة العمل إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. بينما تتردد في الأسواق أصوات الصرافين وهم ينادون بأسعار متباينة، وتتراكم أكوام الأوراق النقدية أمام آلات العد التي تأزّ بلا توقف، يعيش ملايين اليمنيين كابوساً يومياً من عملة واحدة تحمل ثلاثة أسعار في بلد واحد.
رغم نجاح البنك المركزي في عدن في تحقيق استقرار نسبي للعملة من خلال إجراءاته الحازمة لضبط المضاربات، إلا أن السؤال الأكبر يبقى معلقاً في سماء اليمن المثقلة بالهموم: هل سيبقى اليمن بلداً واحداً بعملات متعددة، أم ستعود الوحدة النقدية يوماً ما لتداوي جراح شعب مزقته الحروب حتى في جيوبه؟ الإجابة تكمن في قدرة اليمنيين على تجاوز انقساماتهم السياسية وإعادة توحيد ما فرقته سنوات العذاب.