في تطور مفصلي قد يُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد اليمني، أصدر البنك المركزي في عدن قرارات صارمة وصفها الخبراء بـ"التاريخية"، مطيحاً بعقود من الفوضى المالية التي عصفت ببلد يعاني فيه 30 مليون نسمة من انهيار عملتهم الوطنية بنسبة 400%. اليوم هو آخر فرصة للمتلاعبين في السوق قبل تطبيق العقوبات الجديدة التي ستغير قواعد اللعبة إلى الأبد.
خلال اجتماعات الدورة التاسعة لمجلس الإدارة - رقم يعكس حجم الأزمة المالية المستعصية - اتخذ البنك المركزي خطوات حاسمة شملت إيقاف تراخيص منشآت صرافة متعددة وفرض عقوبات مشددة على كل جهة تتقاعس عن إيداع الإيرادات الحكومية. "هذه خطوة تاريخية لمكافحة الفساد"، يقول د. محمد الكثيري، خبير اقتصادي، بينما يروي أحمد الحديدي، تاجر من عدن، صدمته: "خسرت 60% من مدخراتي بسبب تقلبات الأسعار العشوائية، وأخيراً نرى بصيص أمل."
ما يجعل هذه القرارات استثنائية هو توقيتها في خضم صراع مسلح دام سنوات، حيث فقد الريال اليمني معظم قيمته منذ 2014 وانتشرت السوق السوداء للعملة كالنار في الهشيم. التحدي أكبر من إعادة بناء اقتصاد بلد بحجم لبنان من الصفر، لكن د. سالم باحارثة، محافظ البنك المركزي، يقود حملة إصلاح مالي طموحة تشبه الجراحة الدقيقة التي تستأصل الورم لإنقاذ المريض. الخبراء يتوقعون تحسناً تدريجياً في قيمة العملة خلال الأشهر الستة القادمة، شريطة نجاح تطبيق الإصلاحات.
بينما ينتشر الخبر بسرعة البرق عبر أسواق الصرافة في جميع المحافظات، تشهد البنوك المعتمدة طوابير المودعين القلقين وأصوات آلات العد التي تعمل بلا توقف. فاطمة السقاف، موظفة بنك في عدن، تصف المشهد: "الناس خائفون ومتفائلون في الوقت نفسه، يريدون استقراراً في أسعار السلع الأساسية وعودة القدرة الشرائية." النصيحة الذهبية للمواطنين: تجنبوا التعامل مع منشآت الصرافة غير المرخصة واحتفظوا بأموالكم في البنوك المعتمدة، فالفرص الاستثمارية في القطاع المصرفي المنظم قد تكون أمامكم مباشرة.
مع تسارع الأحداث والترحيب الشعبي الواسع بهذه الخطوات، يبقى السؤال المحوري: هل ستنجح هذه القرارات التاريخية في إنقاذ الاقتصاد اليمني من هاوية الانهيار، أم أن التحديات والمقاومة من المستفيدين من الوضع السابق ستقوض جهود الإصلاح؟ الأشهر القادمة ستحمل الإجابة الحاسمة لمصير 30 مليون يمني ينتظرون استقرار عملتهم وكرامة معيشتهم.