في تطور تاريخي قد يغير وجه اليمن المالي إلى الأبد، كشف البنك المركزي اليمني عن خطة إنقاذية شاملة تهدف لإنهاء 14 عاماً من الفوضى الاقتصادية. أكثر من نصف إيرادات الدولة اليمنية كانت تذهب إلى جهات غير رسمية، حقيقة مذهلة أقرها مجلس الإدارة خلال اجتماعه الحاسم في عدن. هذا القرار المصيري قد يكون المنقذ الأخير للاقتصاد اليمني قبل الانهيار التام.
خلف الأبواب المغلقة في مبنى البنك المركزي بعدن، اتخذت قرارات جذرية ستقلب حياة ملايين اليمنيين رأساً على عقب. أكثر من 50 نقطة جباية عشوائية كانت تنهب أموال المواطنين دون وجه حق، والآن جاء الوقت لإنهاء هذا النزيف. أحمد المحضار، تاجر من عدن، يروي معاناته: "أدفع رسوماً مضاعفة في 5 نقاط تفتيش مختلفة يومياً، أصبحت التجارة عبئاً لا يُطاق". فاطمة السعدي، الموظفة في البنك المركزي، تعمل ليل نهار لإعادة ترتيب الملفات المالية المبعثرة منذ سنوات.
منذ عام 2011، والاقتصاد اليمني يعيش في متاهة مالية مرعبة، انخفضت قيمة الريال بنسبة 400% وتحولت الدولة إلى كيانات مالية متناثرة. د. محمد الأشول، الخبير الاقتصادي، يؤكد أن توحيد الإيرادات سينقذ الاقتصاد اليمني من الانهيار الحتمي. هذه الخطة تشبه إعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية اقتصادياً عام 1990، لكن التحدي هنا أكبر وأعقد. الأموال المهدرة في الجبايات العشوائية تعادل ميزانية 3 مستشفيات حديثة سنوياً.
سالم باحارثة، الموظف الحكومي، لم يتلق راتبه منذ 8 أشهر بسبب تشتت الإيرادات، وهو مثال صارخ على معاناة آلاف الموظفين. تأثير توحيد الإيرادات سيكون كالدومينو، حيث ستؤثر كل خطوة على النظام المالي بأكمله. النتائج المتوقعة مبشرة: انخفاض الجبايات العشوائية، إمكانية انتظام صرف الرواتب، وتحسن تدريجي في الخدمات العامة. لكن الطريق محفوف بالمخاطر، فالمستفيدون من الفساد لن يستسلموا بسهولة، والأجهزة الأمنية ما زالت ضعيفة.
مهلة الأسبوعين التي حددها البنك المركزي ليست مجرد رقم، بل نافذة أمل أخيرة لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اليمني. الخطة الشاملة تشمل إغلاق الصناديق الموازية وتوحيد آليات التحصيل، وهي خطوات جريئة تتطلب إرادة فولاذية. على المواطنين دعم هذه الخطة بكل قوة، وعلى الجهات المعنية التعاون الكامل، لأن هذه قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ اليمن من الهاوية الاقتصادية. السؤال الذي يؤرق الجميع: هل ستنجح هذه المرة في إنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اليمني؟