في شهرين ونصف فقط، استطاع مهندس مصري شاب أن يترك أثراً خالداً في قلب رفيق سكنه السوداني، ليرحل عن الدنيا مع زوجته وطفله الرضيع في مأساة هزت قلوب كل من سمع بها. كان أحمد عبد العليم يحلم بجمع شمل أسرته الصغيرة في أرض الحرمين، لكن القدر شاء أن يجمعهم في رحلة أخيرة إلى الآخرة.
المهندس السوداني عدي بدر، الذي شارك أحمد السكن في السعودية، يروي تفاصيل مؤثرة عن الأيام الأخيرة للفقيد: "كان طموحاً للغاية، مفعماً بالنشاط والشغف، وأكثر ما كان يشغل باله هو الإسراع في إحضار أسرته، فقد كان شديد التعلق بطفله الرضيع سليم ولا يطيق البعد عنه." في صباح يوم الجمعة المشؤوم، تلقى بدر الخبر الصادم عبر هاتفه من صديق مشترك، ليسقط في يديه عالم كامل من الذكريات الجميلة.
كان أحمد قد وصل إلى السعودية حديثاً من مصر، باحثاً عن شقة مناسبة لمدة شهرين أو ثلاثة حتى تلتحق به عائلته. التقى بعدي بدر من خلال إعلان على فيسبوك، وما كان مجرد ترتيب سكن مؤقت تحول إلى صداقة عميقة بين مهندسين من بلدين مختلفين. "جمعتني بالمرحوم صدفة جميلة"، يتذكر بدر بحسرة، "ومع مرور الوقت نشأت بيننا معرفة طيبة باعتبار أننا جميعاً من نفس المجال."
الجانب الأكثر إيلاماً في هذه المأساة هو التفاصيل الصغيرة التي تكشف عن شخصية أحمد الاستثنائية. كان يحرص على زيارة مكة المكرمة كل يوم جمعة، متعلقاً بها تعلقاً خاصاً حتى قبل وصول أسرته. "كان رجلاً في قمة الأخلاق والاحترام، ومتعاوناً إلى أبعد حد"، يصفه بدر الذي فقده "كأخ" رغم الفترة القصيرة التي قضياها معاً. هذا الشاب الذي لم يطق البعد عن طفله الرضيع، قدر له أن يلتقي به في رحلة أخيرة لم تكن في حساباته.
ترك رحيل المهندس أحمد وعائلته أثراً عميقاً في نفوس كل من عرفهم، وستبقى قصته تذكيراً مؤلماً بهشاشة الحياة وأهمية تقدير كل لحظة مع أحبائنا. "أسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويعوض شبابه الجنة"، يختتم عدي بدر كلماته بدعاء من القلب. فمتى ستتذكر أن تعانق أطفالك اليوم، وتخبر أحبائك أنك تحبهم قبل فوات الأوان؟