في تطور يبعث على الارتياح وسط عاصفة من التقلبات السياسية، أكد البنك المركزي اليمني رسمياً أن مليار دولار كامل تم تدبيره لتمويل الاستيراد دون المساس بالاحتياطيات، بينما يقف الريال اليمني صامداً كالجبال عند مستوى 1617-1630 ريال للدولار منذ يوليو الماضي. هذا الثبات المذهل يحدث رغم إعلان صندوق النقد الدولي تعليق المادة الرابعة مجدداً، في ظاهرة اقتصادية نادرة تستحق التأمل.
الأستاذ أحمد أحمد غالب، محافظ البنك المركزي، نجح في تحقيق ما يبدو مستحيلاً: استقرار نقدي حقيقي في بيئة سياسية متقلبة. أبو سالم، تاجر عملة من صنعاء، يؤكد بدهشة: "لم أر استقراراً كهذا منذ سنوات، الأسعار ثابتة كأنها محفورة في الحجر". اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الاستيراد، برئاسة المحافظ نفسه، أسهمت في كبح جماح المضاربين وإعادة تريليونات الريالات إلى الجهاز المصرفي الرسمي بدلاً من السوق السوداء.
خلف هذا النجاح قصة كفاح طويلة، فالمادة الرابعة لصندوق النقد ظلت معلقة أكثر من عشر سنوات - أي جيل كامل من الشباب اليمني لم يعش الاستقرار النقدي. الدكتور علي الاقتصادي يشبه الوضع بقوله: "البنك المركزي كالقبطان الذي يقود السفينة وسط العاصفة، والريال اليمني أثبت صلابة الجبال اليمنية التي لا تهزها الرياح". هذا الاستقرار تحقق بثلاث ركائز: استقلالية البنك المركزي، فعالية لجنة تنظيم الاستيراد، والسياسة النقدية المحكمة.
أم محمد، ربة بيت من صنعاء، تشعر بالارتياح قائلة: "أخيراً يمكنني التخطيط لمصروف البيت دون خوف من مفاجآت الأسعار". استمرار هذا الاستقرار يعني إمكانية جذب استثمارات جديدة وتحسن القوة الشرائية للمواطنين. لكن التحدي الأكبر يكمن في مواجهة المضاربين الذين يحاولون استغلال أي شائعة لتحقيق أرباح سريعة. البيانات الرسمية تؤكد أن "تحركات أسعار السلع وابتعادها النسبي عن أسعار الصرف المعتمدة مسألة طبيعية"، لكنها تحذر من ممارسات التلاعب غير المبررة.
هذا الانتصار النقدي النادر في منطقة مضطربة يضع اليمن على خريطة الاستقرار الاقتصادي رغم كل التحديات. الرسالة واضحة: الريال اليمني صامد، والسياسة النقدية تعمل باستقلالية تامة، والمستقبل يحمل بشائر الخير لمن يثق في قوة الإرادة اليمنية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيستمر هذا الاستقرار النادر في تحدي كل التوقعات والظروف؟