الرئيسية / شؤون محلية / عاجل: العراق يودّع آخر عمالقة الحوزة... الشيخ الخالصي يرحل عن 90 عاماً من العطاء النادر!
عاجل: العراق يودّع آخر عمالقة الحوزة... الشيخ الخالصي يرحل عن 90 عاماً من العطاء النادر!

عاجل: العراق يودّع آخر عمالقة الحوزة... الشيخ الخالصي يرحل عن 90 عاماً من العطاء النادر!

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 23 نوفمبر 2025 الساعة 08:00 مساءاً

في لحظة فارقة هزت أركان الحوزة العلمية، انطوت صفحة من أعظم صفحات العلم الديني في العراق مع إعلان رحيل الشيخ محمد مهدي الخالصي عن عمر تجاوز التسعين عاماً. تسعة عقود كاملة من العطاء النادر انتهت فجر السبت، تاركة فراغاً هائلاً في قلب الكاظمية التي احتضنت آخر عمالقة جيل المراجع التقليديين. الساعات تتسارع نحو الرابعة عصراً، موعد تشييع مهيب ينتظره آلاف المحبين لوداع عالم لن يتكرر.

وسط دموع الفجيعة التي غمرت شوارع الكاظمية، تكشف التفاصيل عن حجم الخسارة التي مُني بها العراق. "أمضى ما يقارب تسعة عقود في خدمة العلم والدين" كما جاء في بيان مدرسة الإمام الخالصي المؤثر. أحمد الكاظمي، طالب حوزة يبلغ من العمر 28 عاماً، يصف لحظة سماع النبأ بكلمات مبللة بالدموع: "فقدنا أباً روحياً علمنا أن العلم رسالة وليس مجرد شهادة... كان آخر من يحمل حكمة الأجداد بقلب طفل متواضع." الأعلام السوداء تتدلى من نوافذ البيوت، وأصوات التلاوة تتصاعد من كل زاوية، في مشهد يحفر ذكرى لا تُنسى في وجدان المدينة المقدسة.

لم يكن رحيل الشيخ الخالصي مجرد فقدان عالم، بل نهاية حقبة تاريخية كاملة. سليل الأسرة الخالصية العريقة، التي شكلت عمود الحوزة الكاظمية لأجيال متتالية، عاصر تحولات العراق منذ عشرينيات القرن الماضي. الشيخ د. علي المالكي، أستاذ الفقه، يؤكد بحسرة بالغة: "خسرنا موسوعة علمية متحركة، كان مرجعاً لا يخطئ في النوازل والفتاوى." مقارنة بسيطة تكشف حجم الفقد: تسعة عقود من العطاء تساوي حياة ثلاثة أجيال كاملة، وإرثه العلمي يوازي ما تحتويه جامعة كاملة من المعرفة.

الأثر الأعمق لرحيل الشيخ يتجاوز أسوار الحوزة ليصل إلى البيوت البسيطة في الكاظمية. أم حسين، ربة بيت تبلغ 55 عاماً، تروي بصوت متهدج: "كان يستقبلنا في بيته كأننا أهله، ويحل مشاكلنا بحكمة الأجداد... فقدنا الأب الروحي الذي لجأنا إليه في كل أزمة." الآن، مع انتشار خبر التشييع الذي ينطلق من ساحة الإمام محمد الجواد باتجاه الصحن الكاظمي الشريف، تتصاعد التساؤلات المؤلمة: من سيملأ هذا الفراغ الهائل؟ من سيحمل راية العلم والحكمة؟ التحدي أمام الجيل الجديد من العلماء يبدو جبلياً، خاصة في عصر تتسارع فيه التغييرات وتتعقد المشاكل.

برحيل الشيخ محمد مهدي الخالصي، يطوي العراق صفحة ذهبية من تاريخه الديني والعلمي. تسعة عقود من العطاء النادر تركت إرثاً يتجاوز المؤلفات والدروس ليشمل قلوب آلاف التلاميذ والمحبين. وصيته الأخيرة تتردد كالنداء الأخير: "حافظوا على وحدة الأمة، وتمسكوا بالعلم، فالعراق لن ينهض إلا بعقول واعية." السؤال الذي يؤرق الجميع الآن: هل سيبقى علم الشيخ حياً في قلوب تلاميذه، أم أن رحيله يعني نهاية عصر ذهبي لن يعود؟

شارك الخبر