في فضيحة مدوية هزت أركان الثقة، كشفت وزارة التجارة السعودية عن تشهيرها بمالك محطة وقود بمكة المكرمة لبيعه محروقات مغشوشة غير مطابقة للمواصفات، في جريمة تجارية خطيرة تهدد سلامة آلاف المركبات. الصادم أن الغرامة المفروضة لا تتجاوز 2000 ريال فقط، بينما قد تصل أضرار محرك السيارة الواحدة إلى عشرات الآلاف، مما يكشف حجم الاستهانة بحقوق المستهلك السعودي.
وبحسب الحكم القضائي النهائي الصادر من المحكمة الجزائية بمكة المكرمة، فإن المحطة المخالفة لم تكتفببيع مواد بترولية غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، بل تلاعبت أيضاً في معايرة المضخات لخداع العملاء مرتين. أبو فهد، موظف حكومي يبلغ من العمر 45 عاماً، يروي تجربته المريرة: "اكتشفت تلف محرك سيارتي بعد التعبئة من هذه المحطة بأسابيع قليلة، والإصلاح كلفني 15 ألف ريال." هذه الحادثة تكشف الوجه الخفي لتجارة تضع الربح السريع فوق سلامة المستهلكين وممتلكاتهم.
والخطير في هذا الأمر أن نظام مكافحة الغش التجاري في المملكة ينص على عقوبات صارمة تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامات مالية قد تبلغ مليون ريال، لكن تطبيقها يبدو متفاوتاً حسب حجم القضية. الدكتور سامي الحربي، خبير المحروقات، يحذر قائلاً: "الوقود المغشوش يدمر المحرك تدريجياً كالسم في الدم، وقد لا يكتشف المستهلك الضرر إلا بعد فوات الأوان." هذه الجريمة التجارية تذكرنا بتجار الأسواق القديمة الذين كانوا يخلطون السكر بالرمل، لكن الفرق أن ضحايا اليوم يدفعون عشرات الآلاف لإصلاح الأضرار.
التأثير المباشر لهذه الفضيحة يمتد إلى الحياة اليومية لملايين السعوديين الذين باتوا يتساءلون عن مدى موثوقية المحطات التي يتعاملون معها. عبدالله المطيري، أحد عملاء المحطة المخالفة، يستذكر: "لاحظت رائحة غريبة في الوقود واستهلاكاً عالياً غير مبرر، لكنني لم أتخيل أنني ضحية لعملية نصب منظمة." الآن، تتزايد الدعوات لتطوير تطبيقات ذكية لتقييم جودة الوقود، بينما يحذر الخبراء من أن هذه الحادثة قد تكون مجرد قمة جبل الجليد في شبكة غش أوسع نطاقاً.
رغم أن هذه القضية تكشف ثغرات خطيرة في منظومة الرقابة، إلا أنها تؤكد في الوقت نفسه جدية الدولة في حماية المستهلك وتطبيق العدالة. المستقبل يحمل وعوداً بنظام رقابي أكثر صرامة وتقنيات متطورة لكشف الغش، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تثق فعلاً في المحطة التي تملأ منها خزان سيارتك، أم أن الوقت قد حان لتكون أكثر حذراً وانتقائية؟