في مشهد أقرب للفيلم السينمائي، استيقظت مدن المنطقة الشرقية صباح اليوم على كابوس أبيض حقيقي - ضباب كثيف يحد الرؤية لأقل من 50 متراً فقط، مسافة لا تكفي لرؤية نهاية سيارة الأجرة الطويلة! أكثر من مليوني نسمة في الدمام والخبر والظهران والجبيل والقطيف يواجهون اليوم تحدياً حقيقياً قد يحول رحلة الدقائق إلى ساعات من الرعب على الطرق.
أحمد الخالدي، موظف بنك من الخبر، يروي لحظات الفزع التي عاشها هذا الصباح: "خرجت في موعدي المعتاد، لكنني وجدت نفسي أسير كالأعمى في متاهة بيضاء. لم أستطع رؤية السيارة التي أمامي إلا عندما اقتربت منها لدرجة الخطر." يضيف أحمد وهو لا يزال يرتجف: "تأخرت ساعتين كاملتين عن عملي، وكنت محظوظاً لأنني وصلت سالماً." هذا المشهد يتكرر مع آلاف السائقين الذين تحولوا من مسافرين عاديين إلى مغامرين يقاتلون من أجل البقاء.
وراء هذا الكابوس الأبيض قصة علمية مثيرة، حيث يلتقي الهواء البارد الليلي مع الرطوبة المرتفعة القادمة من أحضان الخليج العربي، ليخلقا معاً جداراً أبيض يبتلع كل شيء في طريقه. د. سعد الجهني، خبير الأرصاد الجوية، يحذر: "هذه الظاهرة ستتكرر أكثر مع تغير المناخ، والأسوأ أنها قد تستمر ساعات أطول من المتوقع." درجة الحرارة البالغة 27°م مع رطوبة تصل 38% تخلق مزيجاً مثالياً لتشكيل هذا السجن الأبيض المتحرك.
لكن التأثير الحقيقي يظهر في تفاصيل الحياة اليومية المؤلمة. أم سارة، ربة منزل من الدمام، تصف الصدمة: "أردت توصيل طفلي للمدرسة، لكنني لم أستطع حتى رؤية السيارة المجاورة في الموقف!" بينما يحكي محمد العتيبي، سائق الإسعاف، قصة بطولة حقيقية: "استطعت إنقاذ مريض رغم أن الرؤية كانت صفراً تقريباً، اعتمدت على الذاكرة والحدس والدعاء." الآن، آلاف الأطفال متأخرون عن مدارسهم، والموظفون يصلون أعمالهم في حالة إنهاك تام من التركيز المضني.
السلطات تحذر، والخبراء يتوقعون تكرار هذا المشهد مع استمرار فصل الشتاء. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستنتظر حتى تنقشع الغيوم، أم ستتحدى الطبيعة وتخاطر بسلامتك؟ التزم بتعليمات السلامة، شغّل أضواءك، سر ببطء شديد - لأن وصولك متأخراً أفضل ألف مرة من عدم وصولك نهائياً.