في صفعة قاسية لأحلام المستقبل، تبخر 50 مiliار دولار - مبلغ يكفي لبناء 50 مستشفى عالمي - في الرمال السعودية، بعد أن تقلص حلم محمد بن سلمان الـ170 كيلومتراً من 20 وحدة إلى 3 فقط. في أقل من 7 سنوات، تحوّل مشروع "ذا لاين" من رمز للطموح إلى كابوس مالي يهدد استقرار أكبر اقتصاد عربي. بينما تقرأ هذه السطور، هناك آلاف العمال يجمعون معداتهم مغادرين أكبر موقع بناء مهجور في التاريخ.
كشفت تقارير صحيفتي الإندبندنت وفايننشال تايمز عن انهيار مروع لمشروع نيوم، حيث اعترف مسؤول سعودي في منتدى الرياض قائلاً: "لقد أنفقنا مبالغ طائلة... نحن الآن نعاني من عجز في الميزانية". أحمد المهندس، 34 عاماً، الذي ترك وظيفته المرموقة في دبي للانضمام للحلم السعودي، يصف صدمته: "شاهدت طموحات عقد كامل تنهار أمام عيني، والآن لا أعرف مصير مستقبلي المهني". الأرقام المرعبة تحكي قصة فشل ذريع: 85% تقليص في الحجم، و48 مليار دولار تكلفة الوحدة الواحدة.
كان المشروع يحتاج 60% من الإنتاج العالمي للصلب الأخضر سنوياً - رقم خيالي جعل الخبراء يتساءلون عن الجدوى منذ البداية. د. محمد الهندسي، خبير العمارة المستدامة، حذر قائلاً: "استهلاك إسمنت أكثر من فرنسا كاملة لمشروع واحد أمر مستحيل اقتصادياً". مثل برج بابل الحديث، اصطدم الحلم الطموح بصلابة الواقع، فالموقع الصحراوي النائي مع ميناء صغير على بُعد 80 كيلومتراً وطريق واحد فقط كان عقبة لوجستية لم تُحسب حساباتها.
اليوم، يواجه آلاف العاملين مصيراً مجهولاً، بينما تنتشر معدات البناء المتوقفة في المواقع المهجورة كشواهد على أكبر إخفاق اقتصادي في المنطقة. خالد العامل، 28 عاماً، يروي كيف "توقفت المعدات تدريجياً وبدأ زملاؤه يغادرون وسط صمت مخيف يلف المواقع". الضربة الأقسى تطال الثقة في رؤية 2030 كاملة، حيث يتساءل المستثمرون عن مصداقية المشاريع الأخرى. عجز الميزانية المتنامي يهدد بتأثيرات مضاعفة على الخدمات العامة والمشاريع الحيوية الأخرى.
بينما تقف السعودية أمام أطلال حلمها المكلف، يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل هذا نهاية عصر المشاريع الخيالية في المنطقة، أم مجرد بداية لدروس قاسية أخرى؟ الـ50 مليار دولار المفقودة تحكي قصة تحذيرية لكل من يفكر في بناء قصور من الرمال أمام موجات الواقع العاتية.