في إنجاز يُعيد تعريف مفهوم الخدمة الحضارية، كشف أمين العاصمة المقدسة عن سر نجاح مكة في إطعام 8.7 ملايين وجبة يومياً - رقم يفوق ما تستهلكه دول بأكملها - دون تسجيل حالة تسمم واحدة. بينما تعجز عواصم عالمية عن إدارة آلاف المتظاهرين، تحقق مكة المعجزة الحقيقية: خدمة ملايين الحجاج بكفاءة تفوق كل التوقعات.

أكد معالي مساعد الداود، أمين العاصمة المقدسة، خلال مؤتمر الحج 2025 أن هذا الإنجاز التاريخي جاء نتيجة "التكامل بين الجهات المعنية ورفع كفاءة المراقبة الميدانية". أحمد المصري، حاج من القاهرة، يروي تجربته: "كنت قلقاً من جودة الطعام بعد تجارب سيئة في بلدان أخرى، لكنني فوجئت بمستوى يفوق أفخر الفنادق العالمية". الأرقام تتحدث بوضوح: 62 نفقاً جبلياً و360 جسراً ينظمون حركة 200 ألف حاج في الساعة الواحدة - إنجاز يفوق إدارة أكبر المطارات العالمية.

هذا النجاح لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة عقود من الاستثمار في رؤية السعودية 2030 وتطوير الحرمين الشريفين. د. محمد الغامدي، خبير هندسة المرور، يؤكد: "ما تحققه مكة في إدارة الحشود يفوق ما تحققه لندن أو نيويورك في أكبر فعالياتهما". التطوير المستمر منذ تأسيس المملكة وصل اليوم لمرحلة تجعل مكة نموذجاً حضارياً للعالم الإسلامي، حسب تصريحات الداود.

التأثير يمتد إلى الحياة اليومية لسكان مكة وزوارها على مدار السنة. حاجة إندونيسية تصف رحلتها: "تنقلت من الحرم إلى منى خلال دقائق رغم الزحام المهول، شعرت وكأنني في مدينة المستقبل". الخبراء يتوقعون زيادة في أعداد المعتمرين بنسبة 30% العام المقبل، مما يفتح فرصاً استثمارية ضخمة في القطاع السياحي الديني. لكن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على هذه المعايير العالية مع تزايد الأعداد.

مكة اليوم لا تكتفي بكونها قبلة المسلمين، بل تتطلع لتصبح مرجعاً عالمياً في إدارة الحشود والفعاليات الكبرى. الإنجاز التاريخي في موسم الحج الماضي يضع الأسس لمستقبل أكثر إشراقاً، حيث تتحول مكة إلى نموذج حضاري يُحتذى به عالمياً. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستحافظ هذه المعايير الاستثنائية على تفوقها مع التحديات المستقبلية المتزايدة؟