في مشهد اقتصادي مرعب يهز أسس الحياة في اليمن، تتسع الفجوة الكارثية بين أسعار العملة في عدن وصنعاء إلى مستويات خيالية، حيث يصل الفارق إلى 203% - وهو رقم لم يشهده العالم منذ انقسام ألمانيا. فاطمة أحمد، الأم الأربعينية في عدن، تحتاج 161,800 ريال لشراء ما تحصل عليه أختها في صنعاء مقابل 53,500 ريال فقط. الخبراء يحذرون: كل يوم تأخير في حل هذه الأزمة يكلف اليمنيين ملايين إضافية من معاناتهم اليومية.
في تطور صادم، سجل الدولار الأمريكي فارقاً قياسياً بـ 1083 ريال يمني بين المدينتين، ليصل إلى 1633 ريال في عدن مقابل 540 ريال فقط في صنعاء. محمد الصرافي، التاجر الذكي الذي يستغل هذا الانقسام المالي، يصف المشهد: "أصبحت أشعر وكأنني أسافر بين دولتين مختلفتين تماماً، وليس مدينتين في بلد واحد." أصوات طقطقة آلات عد النقود تملأ محلات الصرافة، بينما تتراقص الأرقام على الشاشات كرقصة الموت الاقتصادي التي تطحن حياة ملايين اليمنيين.
هذا الانقسام المالي المدمر لم يأت من فراغ، بل هو نتاج سنوات من الحرب الأهلية وتشظي المؤسسات المالية إلى سلطتين نقديتين متناحرتين. د. عبدالله الاقتصادي، خبير النقد والمصارف، يقارن الوضع بأزمة فنزويلا قائلاً: "هذا الفارق الجنوني لا يمكن أن يستمر طويلاً دون انهيار كامل للنظام النقدي." تشير التوقعات إلى أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تعميق الانقسام وظهور اقتصادين منفصلين تماماً، مما يهدد بتفتيت النسيج الاجتماعي للبلاد إلى الأبد.
على أرض الواقع، تتفكك العائلات اقتصادياً بناءً على مكان إقامتها، حيث أصبح السفر بين المحافظات مغامرة مالية محفوفة بالمخاطر. أحمد التاجر، الذي ينقل البضائع بين المدينتين، يروي معاناته: "عائلتي في صنعاء تعيش برفاهية نسبية، بينما شريكي في عدن بات عاجزاً عن شراء الدواء لطفله المريض." السلع المستوردة في عدن تكلف الآن أكثر من 4 أضعاف نظيرتها في صنعاء، مما يدفع بالآلاف للهجرة الداخلية بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل. المفارقة المأساوية أن هذا الانقسام يخلق فرصاً ذهبية للمضاربين الذين حققوا أرباحاً تزيد عن 300% من استغلال معاناة الشعب.
أمام هذا المشهد المرعب، تبرز أسئلة مصيرية حول مستقبل اليمن الاقتصادي. الحلول المطروحة تتراوح بين توحيد عاجل للسياسات النقدية أو مواجهة انهيار كامل قد يؤدي إلى التخلي عن الريال اليمني نهائياً لصالح عملات أجنبية. الدعوة اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى للضغط على القادة السياسيين لإيقاف هذا النزيف الاقتصادي قبل أن يصبح الإنقاذ مستحيلاً. السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: كم من الوقت يمكن لشعب أن يتحمل العيش بعملتين مختلفتين في البلد الواحد قبل أن ينهار كل شيء تحت وطأة هذا الانقسام المالي القاتل؟