في مشهد صادم يعكس عمق التمزق الاقتصادي الذي يعيشه اليمن، يدفع أهل عدن اليوم 202,200 ريال يمني مقابل جرام الذهب عيار 21، بينما يحصل عليه أهل صنعاء بـ 64,500 ريال فقط - فرق مذهل يزيد عن 300% لنفس المعدن في نفس اليوم! هذه الفجوة الاقتصادية المؤلمة التي تبلغ 137,700 ريال للجرام الواحد تتسع كل يوم، وتحول حلم اقتناء الذهب إلى كابوس يؤرق الملايين.
في محلات الصاغة بعدن، يقف أحمد المقطري - موظف حكومي قدم من صنعاء - مصدوماً أمام الأسعار المعروضة. "جئت لشراء ذهب لزواج ابنتي، لكن ما كان يكفي لشراء 3 جرامات في صنعاء لا يكفي هنا حتى لجرام واحد"، يقول بصوت مرتجف. فاطمة العدنية، تاجرة الذهب الذكية، تشهد هذا المشهد يومياً: "الزبائن يأتون متحمسين ويغادرون محبطين، الأسعار تقتل السوق ببطء". أرقام مرعبة تؤكد أن جنيه الذهب في عدن يبلغ 1,531,800 ريال مقابل 506,000 فقط في صنعاء - فرق يزيد عن مليون ريال كامل!
خلف هذا الجنون السعري قصة مؤلمة من الانقسام الاقتصادي الذي يمزق اليمن منذ سنوات. د. محمد الحمادي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "نحن أمام كارثة اقتصادية حقيقية تشبه ما عاشته ألمانيا المقسمة، لكن الأسوأ أنها في بلد واحد". انقسام العملة اليمنية، وضعف التنسيق بين المناطق، والتضخم المحلي المتفاقم، كلها عوامل تحول السوق إلى مسرح للفوضى الاقتصادية. بينما يصل السعر العالمي للذهب إلى 4,244 دولار للأوقية، تشهد الأسواق اليمنية تقلبات عنيفة تعكس حالة عدم اليقين التي تخيم على البلاد.
النتائج المدمرة لهذا التباين السعري تطال الحياة اليومية للمواطنين بقسوة. علي الصائغ، صاحب محل ذهب في عدن، يلاحظ تراجع الإقبال بشكل مخيف: "العرائس يؤجلن زفافهن، والأمهات يبحثن عن بدائل للذهب". في صنعاء، رغم الأسعار المنخفضة نسبياً، يواجه المواطنون صعوبات في السيولة والوصول للأسواق. فرصة ذهبية تلوح في الأفق لمن يستطيع استغلال هذه الفروقات، لكن المخاطر محدقة: تقلبات سعرية عنيفة، صعوبات النقل، ومخاطر أمنية تحول التجارة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.
أمام هذا المشهد المأساوي، تبرز تساؤلات مصيرية حول مستقبل الاقتصاد اليمني. الحلول تبدو بعيدة المنال في ظل استمرار الانقسام السياسي، والفجوة تتسع يوماً بعد يوم. النصيحة الوحيدة للمستثمرين: متابعة الأسعار لحظة بلحظة، والتحرك بحذر شديد في سوق يشبه حقل ألغام اقتصادي. السؤال الذي يؤرق الجميع: إلى متى ستستمر هذه الفجوة المدمرة في تمزيق النسيج الاقتصادي والاجتماعي لليمن الواحد؟