في مشهد يحبس الأنفاس، 30 دقيقة فقط هي كل ما تحتاجه الآن لقطع رحلة كانت تستغرق ساعتين كاملتين من العذاب والخوف. طريق كان يُسمى "رحلة الموت" أصبح اليوم "طريق الأمل" بفضل مشروع سعودي ثوري يعيد تشكيل مصير 11 مليون يمني بضربة واحدة. في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الكلمات، آلاف اليمنيين يعيشون معجزة حقيقية لم يتخيلوها منذ سنوات طويلة من المعاناة.
فهد العدني، سائق شاحنة يبلغ 45 عاماً، يقف أمام طريق العبر الجديد وعيناه تبرقان بالدموع. "فقدت أخي على هذا الطريق قبل عامين"، يقول بصوت مرتجف، "كان حادث مروع بسبب حفر عميقة وانعدام الإضاءة." اليوم، يمر فهد بنفس النقطة في 30 دقيقة آمنة بدلاً من ساعتين من الرعب. المشروع السعودي الطموح حول تحسناً زمنياً بنسبة 75% - رقم يعادل ثورة حقيقية في عالم النقل اليمني، حيث شمل إعادة تأهيل 4 طرق رئيسية في محافظة عدن وحدها.
خلف هذا الإنجاز الاستثنائي قصة مؤلمة من سنوات الإهمال والصراع التي حولت شرايين الحياة اليمنية إلى كوابيس يومية. الدكتور سالم المخلافي، خبير التنمية الحضرية، يؤكد أن "هذا المشروع نموذج فريد للتعاون العربي الناجح"، مشيراً إلى أن الرؤية السعودية تقوم على مبدأ التنمية كبديل للصراع. مقارنة بطريق الحرير القديم الذي ربط الحضارات، يربط طريق الأمل الجديد أجزاء اليمن المنقسم، ويحمل وعوداً بنمو اقتصادي يتجاوز 15% في المناطق الريفية التي كانت معزولة.
مريم عبدالله، معلمة من عدن، تختصر الثورة في جملة واحدة: "الآن يمكنني الوصول لمدرستي في الريف دون خوف، وأطفال القرى يحضرون للمدينة للعلاج." محمد الحضرمي، تاجر يبلغ 38 عاماً، ضاعف تجارته ثلاث مرات منذ افتتاح الطريق الجديد. هذا التحول ليس مجرد أرقام، بل حكايات إنسانية تتكرر يومياً: عائلات توفر ساعة ونصف يومياً، شاحنات تحمل الأمل بدلاً من الخوف، وأصوات أبواق محتفلة تدق على إسفلت جديد لامع. الخبراء يتوقعون تحول اليمن إلى مركز لوجستي إقليمي، بينما تتجه أنظار المستثمرين نحو فرص ذهبية في النقل والتجارة.
اليوم، بينما تعبر شاحنات محملة بالبضائع والأحلام طريق الأمل الجديد، تتردد في الهواء رائحة الإسفلت الجديد وأصوات آليات البناء التي لا تتوقف عن العمل. من طريق الموت إلى طريق الأمل - عنوان لا يلخص مشروعاً هندسياً فحسب، بل يحكي قصة شعب ينهض من جديد بأيدي شقيقة ممدودة. وبينما يحتفل 11 مليون يمني بهذا الإنجاز التاريخي، يبقى السؤال الأهم: هل تكون هذه الخطوة بداية عصر ذهبي جديد يعيد لليمن مكانته كجسر حضاري بين القارات؟