في تطور مفزع يهز الاقتصاد اليمني حتى الجذور، بات المواطن اليمني يواجه مأساة مضاعفة: فقدان 70% من قيمة أمواله في 24 ساعة فقط بمجرد الانتقال من صنعاء إلى عدن! والأخطر من ذلك، أن الفجوة السعرية بين العملة في شطري البلد تجاوزت الـ 300% في ظاهرة اقتصادية نادرة لم يشهدها العالم إلا في أوقات الحروب الطاحنة. الخبراء يحذرون: الوقت ينفد أمام اليمنيين لحماية مدخراتهم من الانهيار الكامل.
وسط هذه الفوضى النقدية المرعبة، سجلت أسواق الصرف في اليمن أرقاماً تحبس الأنفاس: 1617 ريالاً للدولار الواحد في عدن مقابل 534 ريالاً فقط في صنعاء - فارق يكفي لشراء سيارة كاملة! أم محمد، ربة منزل يمنية، تروي بصوت مخنوق: "شاهدت مدخرات 15 عاماً تذوب أمام عيني في أسبوع واحد. أموالي التي كانت تكفي لشراء بيت، باتت بالكاد تكفي لشراء وجبة عشاء." هذا المشهد المأساوي يتكرر في آلاف البيوت اليمنية يومياً، حيث تتحول الأحلام إلى كوابيس مالية.
الدكتور مساعد القطيبي، خبير الاقتصاد في جامعة عدن، يكشف الحقائق المرة وراء هذا الانهيار المدوي: "ما نشهده اليوم ليس مجرد تقلبات طبيعية، بل انهيار منظم لعملة دولة بأكملها." ويضيف بمرارة أن الريال اليمني سقط من 215 ريالاً للدولار عام 2014 إلى أكثر من 1600 ريال اليوم - انهيار بنسبة 650% يضعه في خانة العملات الأكثر تدهوراً في التاريخ الحديث، متفوقاً حتى على انهيار المارك الألماني الشهير عام 1923.
والأمر الأكثر إثارة للقلق أن 70% من دخل الأسرة اليمنية يذهب اليوم للطعام والوقود، بينما 66% من السكان يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقارير الأمم المتحدة. سالم المغترب، يمني يعمل في الرياض، يصف معاناته: "أرسل 1000 دولار لأسرتي، تصلهم وقيمتها 400 دولار فقط! أعمل كالمجنون هنا، وأموالي تتبخر هناك." وفي خضم هذه المعاناة، تزدهر السوق السوداء بحجم تداول يومي يتجاوز 20 مليون دولار، حيث يربح المضاربون الأذكياء من دموع الفقراء.
لكن السؤال الذي يؤرق ملايين اليمنيين ليلاً: هل سيشهد اليمن توحيد عملته مرة أخرى، أم أن الانقسام النقدي المدمر سيصبح واقعاً دائماً يحكم على أجيال كاملة بالفقر والمعاناة؟ الإجابة تكمن في قرارات سياسية عاجلة قد تنقذ ما تبقى من الاقتصاد اليمني، أو تدفن آخر أمل في عملة موحدة تعيد الكرامة لشعب أنهكته الحروب والانقسامات.