في مشهد لا تحتمله العين البشرية، انتشلت فرق الإنقاذ 17 جثة متفحمة من حافلة نقل جماعي تحولت إلى فرن محترق خلال دقائق معدودة في منطقة العرقوب بمحافظة أبين. الحادث المروعي الذي وقع فجر أمس دمر 17 عائلة في لحظة واحدة، محولاً رحلة عمل اعتيادية من السعودية إلى عدن إلى كابوس حقيقي. مع استمرار تكرار هذه المآسي، يطرح سؤال مرعب: من سيكون الضحية التالية؟
أحمد المسافر، أب لثلاثة أطفال يبلغ من العمر 35 عاماً، كان من بين الضحايا الـ17 الذين سقطوا في هذه المأساة. كان عائداً من عمله في السعودية ليلتقي بعائلته في عدن، لكن القدر شاء أن تنتهي رحلته بطريقة مأساوية. محمد، رجل الإنقاذ البالغ 28 عاماً، كان أول من وصل لموقع الحادث ووصف المشهد قائلاً: "كان مرعباً، النيران التهمت كل شيء والصراخ يملأ المكان، تمكنت من إنقاذ 3 أشخاص قبل أن تنتشر النيران أكثر." معدل الوفيات وصل إلى 74% من إجمالي الركاب - رقم صادم يفوق أسوأ الحوادث الجوية.
الحافلة التي شهدت هذه المأساة كانت تسير على طريق معروف بخطورته، حيث شهدت المنطقة حوادث مشابهة خلال السنوات الماضية دون أن تشهد تحسينات حقيقية في أنظمة السلامة. د. عبدالله، خبير السلامة المرورية، يحذر من أن "الطرق الجبلية في اليمن تحتاج مراجعة شاملة، فالسبب الرئيسي ليس فقط خطأ السائق، بل غياب معايير السلامة الأساسية." السبب المباشر للحادث كان الضغط المفاجئ على الفرامل أثناء النزول الحاد، مما تسبب في اشتعال النيران واصطدام المركبة بباص آخر.
فاطمة الناجية، البالغة 45 عاماً، كانت من المحظوظين السبعة الذين نجوا من الجحيم. تصف لحظات الرعب قائلة: "سمعت صراخاً مفاجئاً، ثم شعرت برائحة دخان، وفجأة رأيت النار تلتهم كل شيء حولنا." هذا الحادث لم يدمر فقط حياة الضحايا وعائلاتهم، بل زرع الخوف في قلوب آلاف المسافرين الذين يعتمدون على النقل الجماعي للتنقل بين السعودية واليمن. العديد من شركات النقل بدأت بمراجعة أساطيلها، فيما تزايدت المطالب بفرض رقابة صارمة على سلامة المركبات والطرق.
بينما تستمر التحقيقات حول هذه المأساة، تبقى الأسئلة المؤلمة معلقة: 17 جثة متفحمة تساوي حجم فصل دراسي كامل اختفى في لحظات - فمتى ستتوقف هذه النهايات المأساوية؟ الحادث يطرح تحدياً حقيقياً أمام السلطات لتطوير أنظمة نقل آمنة قبل أن نشهد مأساة أخرى. السؤال الذي يؤرق الجميع الآن: من سيدفع ثمن الإهمال التالي، وكم عائلة أخرى ستفقد أحباءها قبل أن نرى تغييراً حقيقياً؟