الرئيسية / شؤون محلية / 2.2 مليون طفل يمني خارج المدارس.. كيف تجبر أزمة الرواتب الأطفال على قطع مسافات طويلة يومياً للتعليم؟
2.2 مليون طفل يمني خارج المدارس.. كيف تجبر أزمة الرواتب الأطفال على قطع مسافات طويلة يومياً للتعليم؟

2.2 مليون طفل يمني خارج المدارس.. كيف تجبر أزمة الرواتب الأطفال على قطع مسافات طويلة يومياً للتعليم؟

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 27 أكتوبر 2025 الساعة 05:35 مساءاً

تُجبر أزمة الرواتب المتفاقمة في اليمن ملايين الأطفال على قطع مسافات طويلة يومياً للوصول إلى المدارس، حيث أصبح 2.2 مليون طفل خارج المنظومة التعليمية بينما يحتاج 8 ملايين آخرين إلى دعم عاجل لمواصلة تعليمهم الأساسي، وفقاً لتقارير دولية حديثة.

وتكشف الأرقام الصادمة أن أكثر من نصف المعلمين والتربويين اليمنيين البالغ عددهم 190 ألفاً أُجبروا على البحث عن مصادر دخل بديلة منذ عام 2016 بسبب عدم انتظام صرف الرواتب، ما خلق فجوة تعليمية هائلة تؤثر على مستقبل جيل كامل.

تأثير النزاع على التعليم في اليمن، الصورة نقلا من تقرير اليونيسف عن التعليم في اليمن، يوليو 2021

في محافظة ريمة غرب اليمن، يقطع الطفل برهان الحاج البالغ من العمر 12 عاماً مسافة تستغرق ساعتين ونصف سيراً على الأقدام من منزله في منطقة الوادي للوصول إلى مدرسة تقع في منطقة بني يعفُر المعلقة برأس الجبل. يقول برهان: "أستيقظ باكراً وأتناول الفطور وأخرج من البيت لأن المدرسة في منطقتنا لا توفر تعليماً فعلياً".

ويضيف الطفل اليمني: "لا يوجد معلمون مؤهلون والدراسة في أفضل أحوالها لا تتجاوز ثلاث ساعات، نغادر بعد الراحة في العاشرة ولا نكمل الحصص المفترضة، بينما الأصل أن ندرس ست حصص يومياً على الأقل".

وتؤكد ابتهال أحمد، معلمة متطوعة في مدرسة بني يعفُر، أن "التعليم يواجه صعوبات قاسية جداً، فكثير من المواد لا تُدرّس إطلاقاً لعدم وجود معلمين، ومع استمرار انقطاع الرواتب أصبحت المدارس شبه خالية من الكادر التربوي".

وتتابع المعلمة المتطوعة: "يحضر الطلاب إلى المدرسة بأحلام واسعة لكنهم يعودون بخيبة أكبر، فالمدرسة لا تضم معلمين لمواد أساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية والفيزياء والكيمياء وحتى اللغة العربية لبعض الفصول".

انفوجراف يوضح عدد المعلمين المنقطعين عن التعليم في اليمن نتيجة عدم انتظام صرف الرواتب

وتكشف الأرقام الرسمية أن انقطاع المجلس النرويجي للاجئين أدى إلى نزوح 1.7 مليون طفل، مما تسبب في انقطاعهم عن التعليم وفاقم من حجم الأزمة التعليمية في البلاد.

ويضطر بعض المعلمين المتبقين إلى ابتكار حلول غير تقليدية لمواجهة النقص الحاد في الكادر التدريسي. تقول ابتهال: "بسبب غياب الكادر قام أحد المعلمين بضم طلاب الصف الأول مع طلاب الصف الثاني في فصل واحد، يُخصص الحصة الأولى للصف الأول بينما طلاب الصف الثاني يستمعون، ثم يقوم بتدريس طلاب الصف الثاني بينما طلاب الصف الأول يستمعون".

وتتضح أبعاد الأزمة من خلال قصة إبراهيم أحمد، أحد أبناء المنطقة الذين غادروها بسبب ضعف التعليم وانعدام الخدمات. يقول: "تركت بلادي مع بدء الحرب وانقطاع مرتبات الموظفين، ونزحت بأسرتي إلى صنعاء خاصة بعد تدهور العملية التعليمية وشحة مصادر الدخل".

ويضيف النازح اليمني: "غادرت ريمة وانتقلت إلى صنعاء للعمل فيها وأخذت أسرتي معي، وأعمل هنا مساعد معلم بناء. صحيح أن فرص العمل تضاءلت حتى في صنعاء، لكن على الأقل أنا مطمئن لأن أولادي يدرسون ويتعلمون، بعكس ما هو في القرية تماماً".

وفي الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة التعليم في اليمن، تشهد المحافظات المحررة جهوداً محدودة لصرف الرواتب. أعلنت ثلاثة بنوك تجارية في عدن مؤخراً عن صرف مرتبات موظفين مدنيين وعسكريين ومبعدين في عدة محافظات لشهري مايو ويونيو 2025، لكن هذه الجهود تبقى قطرة في بحر الاحتياجات الضخمة.

وأعلن بنك البسيري للتمويل الأصغر بدء صرف مرتبات شهر يونيو 2025 لموظفي فروع الجهاز المركزي للإحصاء في ثماني محافظات، بينما أعلن بنك القطيبي الإسلامي بدء صرف مرتبات شهر مايو للمبعدين العسكريين عبر وزارة المالية.

ويحلم الطفل برهان الحاج بأن يصبح مهندساً كي يقوم ببناء مدرسة حقيقية في قريته، دون أن يضطر الأطفال لقطع كل تلك المسافات كما يفعل هو. يقول: "التعليم هو الشيء الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يُخرجنا من هذا الوضع".

وتشير التقارير إلى أن العديد من المعلمين سافروا إلى السعودية للبحث عن عمل، ما يفاقم من أزمة النقص في الكادر التدريسي. يقول إبراهيم: "بعد انقطاع المرتبات وسوء الأوضاع المعيشية، تجد أن بعض المعلمين سافروا للبحث عن عمل. ما فائدة التمسك بالوظيفة إذا كنت تعيش على الديون؟".

وتختتم المعلمة المتطوعة ابتهال حديثها بقولها: "لا يوجد تعليم بهذا الشكل حتى في أكثر البلدان تخلفاً. هنا نحن فقط نُحاول ألا ينطفئ الحلم تماماً، لهذا نستمر وهذا ما دفعني للتطوع"، في مشهد يلخص حجم التحدي الذي يواجه مستقبل التعليم في اليمن وأحلام ملايين الأطفال المعلقة بين الجبال والوديان.

شارك الخبر