في مشهد يكاد يكون من الخيال العلمي، يدفع مواطنو عدن اليوم ثلاثة أضعاف سعر الذهب الذي يدفعه أهل صنعاء، في فجوة سعرية تاريخية لم يشهدها العالم منذ انقسام ألمانيا. جرام الذهب عيار 21 يصل إلى 187,500 ريال في عدن مقابل 61,500 ريال فقط في صنعاء - فارق مذهل يبلغ 126,000 ريال للجرام الواحد، في ظاهرة اقتصادية تحدث للمرة الأولى في التاريخ الحديث.
هذه الأرقام الصادمة ليست مجرد إحصائيات باردة، بل كارثة حقيقية تعيشها ملايين الأسر اليمنية. علي الصائغ، الذي يعمل في سوق الذهب منذ عقدين، يؤكد بصوت مرتجف: "لم أر في حياتي المهنية فجوة سعرية بهذا الحجم، إنها كارثة حقيقية تدمر مدخرات الناس". وبينما يحاول أحمد المؤمن، الموظف الحكومي من صنعاء، بيع ذهب والدته لتغطية نفقات علاجها، يكتشف أن قيمته الحقيقية تساوي ثلث ما كان يعتقد.
جذور هذه المأساة تمتد إلى عمق الانقسام السياسي اليمني الذي حول البلد الواحد إلى اقتصادين منفصلين تماماً. انهيار الريال في المناطق الشمالية مقابل قوته النسبية في الجنوب، إضافة إلى اختلاف طرق الاستيراد والتمويل، خلق واقعاً اقتصادياً مشوهاً يذكرنا بأسواق الحرب العالمية الثانية. الخبراء يحذرون من أن هذا الوضع غير مستدام اقتصادياً وسينتهي إما بتوحيد الأسعار أو انهيار كامل لأحد الأسواق.
في الحياة اليومية، تحولت المهور إلى كابوس حقيقي حيث تتوقف قرارات الزواج على الجغرافيا، والمدخرات أصبحت سراباً يتبخر أمام العيون. النتائج المتوقعة مرعبة: موجة تهريب كبيرة من الشمال للجنوب، وظهور شبكات مراجحة منظمة، وتعميق الانقسام الاقتصادي. فاطمة التاجر، تاجرة الذهب الذكية في عدن، تمكنت من بناء ثروة من هذه الفوضى، بينما يصرخ مواطنو الشمال "كارثة" ويهمس المستثمرون "فرصة تاريخية".
مع وصول سعر الأوقية عالمياً إلى 3887 دولار، وفجوة تزيد عن مليون ريال في سعر الجنيه الذهبي بين المدينتين، نقف أمام سؤال محوري: هل نشهد ولادة اقتصادين منفصلين نهائياً، أم أن هذه مجرد عاصفة ستمر؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، لكن حتى ذلك الحين، راقبوا الأسعار عن كثب ولا تضعوا كل مدخراتكم في سلة واحدة.