شهد الريال اليمني في أغسطس الماضي انتعاشاً قوياً استطاع من خلاله استعادة 45% من قيمته المفقودة، مما أثار تساؤلات حقيقية حول إمكانية أن يكون هذا التحسن الاقتصادي المفاجئ كافياً لوضع حد نهائي للاحتجاجات الشعبية التي عصفت بمحافظة حضرموت في الأسابيع الماضية.
وكان مروان الظفاري قد رصد هذا التحسن الملحوظ في قيمة العملة اليمنية مقابل الدولار الأمريكي والريال السعودي، حيث انخفض سعر الدولار من 2746 ريالاً إلى 2433 ريالاً في منطقة عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.

يُمثل هذا التحسن في أسعار الصرف انفراجة حقيقية للمواطنين اليمنيين الذين عانوا لأشهر طويلة من ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات نتيجة تدهور العملة المحلية. فبينما وصل سعر الدولار في ذروة الأزمة إلى حوالي 2800 ريال، نجح الريال في استرداد جزء كبير من قوته الشرائية خلال فترة قصيرة نسبياً.
وفي هذا السياق، يؤكد الناطق الرسمي لحلف قبائل حضرموت، الكعش سعيد سالم السعيدي، أن تحسن سعر صرف العملة كان له دور واضح في امتصاص حالة الاحتقان الشعبي التي شهدتها المحافظة. ويضيف السعيدي أن انخفاض أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية والسلع الأساسية ساهم بشكل مباشر في تخفيف الضغوط المعيشية على المواطنين.
تُظهر المقارنة بين أسعار الصرف في مختلف المناطق اليمنية التباين الحاد في الوضع الاقتصادي، حيث يتراوح سعر شراء الدولار في عدن حالياً بين 1617 و1618 ريالاً، بينما يستقر في صنعاء عند مستوى 535 ريالاً تقريباً. هذا التفاوت الكبير يعكس عمق الانقسام الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
أما بالنسبة للريال السعودي، فإن أسعار الصرف في عدن تتراوح بين 425 و428 ريالاً يمنياً، في حين تبقى مستقرة في صنعاء عند حوالي 140 ريالاً. هذه الأرقام تُبرز الاختلاف الجذري في القوة الشرائية بين المنطقتين وتأثير ذلك على حياة المواطنين اليومية.
ورغم هذا التحسن الاقتصادي الواضح، يحذر السعيدي من أن توقف الاحتجاجات في حضرموت يبقى مؤقتاً ومرهوناً بمدى استجابة السلطات المحلية والمركزية لمطالب المواطنين الأساسية. ويشدد على أن عودة المطالب إلى الواجهة أمر لا مفر منه إذا لم تلامس إجراءات الحكومة حياة الناس اليومية بشكل مباشر وملموس.
في المقابل، تلعب عوامل أخرى دوراً في تهدئة الأوضاع، حيث يُشير محمد عبدالرحمن باحشوان، عضو هيئة رئاسة مؤتمر حضرموت الجامع، إلى أن إصلاح منظومة الكهرباء وتراجع انقطاعات التيار الكهربائي أسهما بشكل مباشر في خفوت حدة الاحتجاجات، خاصة في المناطق الساحلية من المحافظة.
كما أعلن رئيس الوزراء في حكومة عدن، سالم بن بريك، مؤخراً عن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمحافظة حضرموت على مدى الخمس سنوات القادمة، والتي تهدف إلى فتح استثمارات في البنية التحتية والطاقة والموانئ والصناعات التحويلية، مما يُبشر بتحسن طويل المدى في الأوضاع الاقتصادية.
وتُظهر التطورات الأخيرة أن المواطنين الحضارمة يتبنون نهجاً براغماتياً في التعامل مع الوضع، حيث يمنحون الفرصة للإصلاحات الاقتصادية المعلنة لتحقيق نتائج ملموسة قبل العودة للتصعيد الاحتجاجي. هذا السلوك يعكس نضج سياسي واجتماعي في التعامل مع الأزمات ورغبة حقيقية في الاستقرار.
لكن الصحفي عبدالجبار الجريري يلفت إلى أن التدخلات الأمنية المباشرة لعبت دوراً في تهدئة الأوضاع، حيث تعاملت السلطات مع الاحتجاجات بحزم أدى إلى سقوط ضحايا واعتقال محتجين، مما أسهم في تراجع الزخم الجماهيري في الشارع.
كما يُبرز السعيدي الدور المهم الذي لعبته المملكة العربية السعودية في إيقاف القوى التي تهدد أمن المحافظة وإخراجها منها، مشيراً إلى أن المجلس الرئاسي لم يكن له دور فعال في تهدئة الأوضاع. هذا التصريح يكشف عن التأثير الإقليمي المباشر على الوضع في حضرموت ودور القوى الخارجية في صناعة الاستقرار المحلي.
وتُشير المعطيات الحالية إلى أن التصعيد الاحتجاجي الشعبي للمطالبة بتوفير الخدمات في محافظة حضرموت قد توقف بشكل كامل خلال شهر سبتمبر الجاري، رغم أن الأوضاع الخدمية الأساسية لم تشهد تحسناً جذرياً بعد. هذا التوقف يعكس تفاعل معقد بين العوامل الاقتصادية والأمنية والسياسية.
ويؤكد باحشوان أن خروج سكان حضرموت في الاحتجاجات لم يكن بهدف الفوضى أو إحراج السلطات، وإنما نتيجة معاناة حقيقية، وما أن يلمسوا تحسناً ولو طفيفاً في تلك المعاناة حتى يتوقفوا عن الاحتجاج، مما يُظهر الطبيعة السلمية والمطلبية للحراك الشعبي في المحافظة.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال الجوهري حول ما إذا كان التحسن الاقتصادي الحالي، المتمثل في استعادة الريال اليمني 45% من قيمته، كافياً لضمان استقرار طويل المدى في حضرموت. الإجابة تتطلب متابعة دقيقة لتطور الأوضاع الاقتصادية والخدمية في الأسابيع والأشهر القادمة، ومدى قدرة الحكومة على تحويل الوعود إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع.