كشفت تطورات الأيام الأخيرة عن تحول جذري في سوق الصرف اليمني، حيث تحولت سياسات البنك المركزي في عدن إلى أداة ضغط فعالة ضد مليشيا الحوثي، بينما خلقت في الوقت نفسه أزمة سيولة غير مسبوقة جعلت الريال اليمني "عملة صعبة" لأول مرة في تاريخه.
وفقاً لتقرير شبكة إنذار المجاعة المبكر، نجحت قرارات المركزي - التي شملت تحديد سقوف الصرف وإغلاق شبكات الحوالات غير القانونية - في رفع قيمة الريال بنسبة 43% خلال أغسطس الماضي، ليستقر عند 1,624 ريالاً للدولار.
لكن هذا النجاح في تعزيز قيمة العملة جاء مصحوباً بنتائج عكسية مثيرة للقلق. فقد أدت السياسات الجديدة إلى خلق شح حاد في السيولة النقدية بالريال اليمني، دفع العديد من شركات الصرافة إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة تمثلت في دفع الحوالات المالية بعملتها الأصلية - غالباً الدولار الأمريكي - دون تحويلها إلى العملة المحلية.
يوضح الخبير الاقتصادي فيق صالح أن هذا التحول الجوهري يعود إلى اختلال حاد في التوازن النقدي، حيث يشهد السوق تكدساً كبيراً للعملة الصعبة في مقابل شح متزايد في المعروض من الريال اليمني، مما جعل العملة المحلية مطلوبة كما لو كانت "عملة صعبة".
وتشير المعطيات إلى أن البنك المركزي يستعد لإصدار حزمة جديدة من الإجراءات العقابية خلال الساعات المقبلة، تشمل فرض سيطرته على أرصدة محلات الصرافة كجزء من استراتيجيته لضبط السوق، رغم المخاوف من خروج العديد من هذه المحلات من السوق نتيجة لهذه السياسات المشددة.
ويحذر الخبير المصرفي وحيد الفودعي من أن معالجة أزمة السيولة تقع على عاتق البنك المركزي، مؤكداً أن المؤسسة النقدية تمتلك الأدوات الكافية لتحويل هذه الأزمة إلى ورقة ضغط لصالح استقرار سعر الصرف، بينما يشير الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري إلى وقوع عمليات بيع بسعر 405 ريال سعودي، أي أقل من السقف المحدد البالغ 425-428 ريالاً.
وبينما حققت هذه السياسات نجاحاً في تراجع أسعار المواد الغذائية بنسبة 35% وانخفاض أسعار الوقود بأكثر من 20% في مناطق الحكومة الشرعية، إلا أنها قلصت تدفق العملة الصعبة إلى مناطق سيطرة الحوثيين وعمقت أزمتهم المالية.
تبقى المفارقة الأبرز في هذا المشهد المعقد هي تحول الريال اليمني من عملة ضعيفة إلى "عملة صعبة" نادرة، في ظاهرة تعكس نجاح سياسات البنك المركزي في خلق توازن جديد، لكنها تطرح تساؤلات جدية حول استدامة هذا النموذج وقدرة السوق على التكيف مع هذه التحولات الجذرية.