ستة ساعات فاصلة بين الحياة والموت، ومبلغ لا يتجاوز 1400 جنيه فقط حرم الإعلامية عبير الأباصيري من تلقي العلاج الطارئ، لتنتهي مسيرة إعلامية امتدت لثلاثة عقود في مأساة كشفت عمق الأزمة الصحية والاجتماعية في مصر.
بدأت المأساة في ليلة الأربعاء الماضي، عندما تعرضت معدة البرامج المخضرمة في التلفزيون المصري لجلطة دماغية حادة داخل منزلها بمنطقة فيصل. في تلك اللحظات الحرجة، لم تجد الراحلة أمامها سوى الاستعانة بجارها الصغير فادي البالغ 16 عاماً، الذي أسرع باستدعاء الإسعاف ونقلها لأقرب مستشفى، وهو مستشفى الهرم.
لكن ما حدث في المستشفى كان أكثر إيلاماً من الجلطة نفسها. رفضت إدارة المستشفى تقديم العلاج الطارئ لعبير الأباصيري إلا بعد دفع مبلغ 1400 جنيه مقدماً، المبلغ الذي لم يكن متوفراً مع الجار الصغير أو حتى مع المريضة نفسها. هكذا، بقيت الإعلامية الراحلة في قسم الاستقبال لأكثر من ست ساعات متواصلة دون أي تدخل طبي عاجل لعلاج الجلطة الدماغية.
خلال تلك الساعات الطويلة، تدهورت حالة عبير الأباصيري بشكل كبير، ودخلت في غيبوبة تامة نتيجة عدم تلقي العلاج في الوقت المناسب. استمر الوضع المأساوي حتى انتشرت مناشدات عاجلة على مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذها، لكن الأمر كان قد فات أوانه.
كتب الإعلاميون والزملاء بلغة مؤلمة عن غياب الدعم المهني والإنساني الذي كان يجب أن تحصل عليه أي مواطن في أزمة طبية كهذه، خاصة أن المستشفى غير تابعة للتلفزيون المصري أو نقابة السينمائيين. رحلت عبير الأباصيري صباح الجمعة 29 أغسطس 2025، بصمت بين جدران المستشفى وسط غياب تام للأقارب.
الأمر الذي زاد من مأساة الموقف هو عدم وجود أقارب للراحلة خلال ساعاتها الأخيرة، مما دفع زملاءها في ماسبيرو لإتمام إجراءات الدفن بأنفسهم احتراماً لذكراها. أقيمت صلاة الجنازة في مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، ثم انتقلت إلى مدافن آل الدفتار بالدراسة، في مشهد عكس مدى صدق ووفاء زملائها الذين لم يتركوا جسدها وحيداً في آخر المطاف.
تفاعلت وزارة الصحة مع موجة الجدل التي أثارتها قضية وفاة الإعلامية، وأعلنت فتح تحقيق عاجل في سياسات المستشفيات الحكومية فيما يتعلق باستقبال الحالات الطارئة دون شروط مالية مسبقة. أكدت الوزارة أن حق العلاج للطوارئ مكفول للجميع، وأنها تعمل على ضمان عدم تكرار مثل هذه المواقف المؤلمة مستقبلاً.
عُرفت عبير الأباصيري في أروقة التلفزيون المصري بعملها الدؤوب ووجهها البشوش، حيث بدأت مسيرتها المهنية عام 1994 في صحيفة روزاليوسف، وحصلت على درجة الماجستير من أكاديمية الفنون عام 2000. شاركت لسنوات في تقديم برنامج الإعلامي الراحل عاطف كامل، وكان لها حضور محترم رغم قلة شهرتها الواسعة مقارنة بغيرها من الإعلاميين.
في تصريحات للهيئة الوطنية للإعلام، أشاد عدد من القيادات بالأخلاق المهنية للراحلة وحرصها الدائم على دعم زملائها، فيما طالبوا بضرورة إيجاد آلية عاجلة لضمان وصول الدعم والرعاية اللازمة للعاملين في ماسبيرو وقت الأزمات. رحلت عبير الأباصيري تاركة وراءها تساؤلات مؤلمة حول علاقة الرعاية الطبية بكرامة الإنسان، ورسالة مفتوحة إلى كل من بيده القرار أن الكرامة الإنسانية لا يمكن أن تكون رهينة لمبلغ مالي أو إهمال إداري، وستظل قصتها شاهدة على التحديات التي يواجهها العاملون وراء الكواليس في التلفزيون الوطني.