يحيي العالم اليوم الذكرى الثمانين لواحدة من أقسى الكوارث في تاريخ البشرية، عندما أطلقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية "ليتل بوي" على مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من أغسطس 1945. وبينما ينتشر اليوم الرعب والدمار في أماكن أخرى من العالم، تنطلق أصوات خبراء وعلماء تحذر من حقيقة مرعبة: الأسلحة النووية المعاصرة تفوق قنبلة هيروشيما بقوة تدميرية تبلغ ثمانين ضعفاً، والعالم بات على بُعد خطوة واحدة من استخدامها مجدداً.
في تحذير صارخ، دفعت "نشرة علماء الذرة" عقارب "ساعة يوم القيامة" إلى 89 ثانية من منتصف الليل، وهو أقرب توقيت للكارثة منذ تأسيس الساعة عام 1947. هذا المؤشر العلمي المخيف يعكس تقييم الخبراء لمدى قرب البشرية من الكارثة النووية الشاملة.
تشير أحدث تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن قنبلة هيروشيما، التي بلغت قوتها التدميرية 15 كيلوطن وقتلت أكثر من 140 ألف شخص خلال الأشهر التالية للانفجار، تُعتبر اليوم "ضعيفة" مقارنة بالترسانة النووية الحديثة. فالقنبلة الأكبر في الترسانة الأمريكية تبلغ قوتها 1.2 ميغاطن، أي ما يعادل ثمانين ضعف قنبلة هيروشيما، وقادرة على قتل ملايين البشر في لحظات.

ويحذر هانز كريستنسن، الباحث البارز في معهد ستوكهولم، من "اتجاه واضح نحو توسيع الترسانات النووية، وتصعيد الخطاب النووي، وتفكيك الاتفاقيات التي كانت تنظم هذا المجال". هذا التصعيد الخطير يتجلى في الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث تتبادل موسكو وواشنطن التهديدات النووية، بينما استهدفت القوات الأمريكية مؤخراً منشآت نووية إيرانية بقنابل تقليدية خارقة.
تضم الترسانة النووية العالمية أكثر من 12 ألف رأس نووي موزعة بين تسع دول، تتصدرها الولايات المتحدة وروسيا بنحو 90% من إجمالي الأسلحة النووية عالمياً. وتواصل جميع هذه الدول برامج تحديث وتوسيع مكثفة، مع إضافة الصين وحدها نحو مئة رأس نووي جديد خلال عام واحد.
وفي خضم هذا السباق المحموم للتسلح النووي، شهدت الأشهر الأخيرة تطورات مقلقة عززت من المخاوف العالمية. فعلى الحدود بين الهند وباكستان، اندلعت توترات عسكرية حادة بسبب النزاع المستمر حول إقليم كشمير، ما استدعى تدخلاً دبلوماسياً دولياً عاجلاً لمنع التصعيد بين قوتين نوويتين. كما أعلنت كيم يو جونغ، الشقيقة النافذة للزعيم الكوري الشمالي، أن بلادها "لن تتخلى عن ترسانتها مقابل أي محادثات مع واشنطن أو سيول".
وفي مراسم إحياء الذكرى الثمانين بهيروشيما، التي شارك فيها ممثلون عن 120 دولة، حذر رئيس الوزراء الياباني شينغورو إيشيبا من أن "الانقسامات داخل المجتمع الدولي بشأن نزع السلاح النووي تتعمق، والبيئة الأمنية العالمية تزداد خطورة". من جهتها، أكدت منظمة "نيهون هيدانكيو" اليابانية، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2024، أن العالم "يواجه تهديداً نووياً غير مسبوق".
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فأشار في رسالته لأهالي هيروشيما إلى أن العالم "بات قريباً بشكل خطير من الهاوية، وأي تأخير في تغيير المسار يزيد من احتمالية وقوع كارثة عالمية". ودعا إلى العمل الفوري من أجل إنهاء خطر الأسلحة النووية والقضاء على هذه الأسلحة نفسها، مؤكداً أن الدول المالكة للأسلحة النووية "تضخ مئات المليارات من الدولارات في تطوير أنظمة قادرة على تدمير الحضارة".
وبينما تستمر المجتمعات الدولية في دعواتها لنزع السلاح النووي، تتزايد المخاوف من أن التطورات الجيوسياسية الراهنة قد تدفع العالم نحو هاوية لا عودة منها. فالتوترات المتصاعدة في أوكرانيا والشرق الأوسط، إضافة إلى التنافس الاستراتيجي بين القوى العظمى، تخلق بيئة خطرة قد تؤدي إلى كارثة نووية تجعل مأساة هيروشيما مجرد مقدمة لدمار أشمل وأعظم.
تبقى شهادات الناجين من قصف هيروشيما، والذين يُطلق عليهم "هيباكوشا"، صرخة تحذيرية للعالم. فهؤلاء الذين يبلغ عددهم اليوم 99,130 شخصاً بمتوسط عمر 86 عاماً، يحملون ذكريات الرعب والدمار كشهادة حية على فظاعة الأسلحة النووية، مذكرين العالم بأن ما حدث في هيروشيما قبل ثمانية عقود قد يتكرر اليوم بقوة تدميرية أكبر بثمانين مرة.