في تطور صادم هز أسواق الذهب في اليمن، سجلت أسعار المعدن الأصفر فروقاً خيالية بين صنعاء وعدن تصل إلى 1,009,500 ريال للجنيه الواحد - رقم يفوق راتب موظف حكومي لعامين كاملين! في نفس البلد، نفس اليوم، نفس القطعة الذهبية... لكن السعر يختلف بأكثر من مليون ريال، في مشهد لم تشهده حتى الدول التي تمر بحروب أهلية طاحنة.
الأرقام تحكي قصة مأساوية: جنيه الذهب في عدن يُباع بـ 1,494,500 ريال مقابل 485,000 ريال فقط في صنعاء - فارق يصل إلى 202% يجعل شراء قطعة ذهبية واحدة في عدن بمثابة شراء ثلاث قطع في صنعاء! أبو عبدالله، صائغ في عدن منذ 30 عاماً، يصف الوضع بصدمة: "لم أر في حياتي فروقاً بهذا الحجم حتى بين دول مختلفة، الزبائن يدخلون متفائلين ويخرجون مصدومين." أم محمد، موظفة حكومية في صنعاء، تنظر بحسرة لواجهات محلات الذهب: "حتى الأسعار المخفضة هنا باتت حلماً بعيد المنال لعائلة بسيطة."
الجذور العميقة لهذه الكارثة الاقتصادية تمتد إلى عام 2015 عندما انقسم الاقتصاد اليمني إلى شطرين منفصلين، كل منهما يتبع سياسة نقدية مختلفة تماماً. عملتان متنافرتان، سياستان متضادتان، وشعب واحد يدفع الثمن - هكذا يصف د. أحمد الاقتصادي، المتخصص في الأسواق المالية، الوضع الحالي. تذكرنا هذه الأسعار المجنونة بفترات الاضطرابات الاقتصادية الكبرى في التاريخ الحديث، مثل انهيار الليرة اللبنانية خلال الحرب الأهلية، لكن الوضع هنا أكثر تعقيداً لأنه يحدث داخل حدود دولة واحدة.
التأثير الحقيقي يتجاوز مجرد أرقام على الورق ليصل إلى صميم الحياة اليومية للمواطنين. من المهور التي تُؤجل إلى هدايا الأعياد التي تُلغى، الذهب بات رفاهية لا يحلم بها إلا القلة المحظوظة. سليم، تاجر ذكي اكتشف فرصة في هذه الأزمة، يقول: "نعم، هناك فرص ذهبية للتجارة القانونية بين المدينتين، لكن المخاطر عالية والطرق محفوفة بالمخاطر." التوقعات تشير إلى مزيد من التراجع في عمليات البيع وإقبال أكبر على الدولار كملاذ آمن، بينما يحذر خبراء من تكوّن فقاعة اقتصادية قد تنفجر في أي لحظة.
في المحصلة، تحكي هذه الأرقام الصادمة قصة انقسام أعمق من مجرد أسعار متباينة - إنها قصة بلد يفقد وحدته الاقتصادية قطعة قطعة، مثل جنيهات الذهب التي تُباع بأسعار خيالية. السؤال الذي يؤرق الجميع: هل ستستمر هذه الفجوة في الاتساع أم أن هناك بصيص أمل في توحيد ما تشتت؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن كل يوم تأخير في الحل يعني مزيداً من المعاناة لشعب يستحق أفضل من هذا الواقع المؤلم.