في تطور صادم هز القطاع المصرفي اليمني، أعلنت جمعية الصرافين في صنعاء إيقاف التعامل مع إحدى أكبر منشآت الصرافة في العاصمة، تاركة آلاف الريالات معلقة في الهواء وعملاء في حيرة من أمرهم. القرار المفاجئ، الذي صدر بناءً على توجيهات البنك المركزي اليمني، يكشف عن مخالفات جسيمة طالت منشأة "علي عبدالكريم للصرافة"، في خطوة تُعتبر الأقسى من نوعها منذ شهور.
التعميم الذي أصدرته الجمعية يوم الثلاثاء حمل صدمة حقيقية لمئات العملاء المعتادين على التعامل مع المنشأة الموقوفة. أحمد المهاجر, العامل اليمني في السعودية الذي اعتاد إرسال راتبه الشهري عبر هذه المنشأة، يقول بنبرة محبطة: "لم أتوقع أن أستيقظ يوماً لأجد طريق أموالي إلى عائلتي مقطوعاً". المشهد أمام مبنى المنشأة أصبح محزناً - أبواب مغلقة وعملاء محتارون يحاولون فهم ما حدث، بينما تتعالى أصوات رنين الهواتف من استفسارات لا تجد إجابات.
هذا الإجراء ليس الأول من نوعه في تاريخ القطاع المصرفي اليمني، الذي يعاني من أزمات متراكمة منذ اندلاع الحرب عام 2014. انقسام المؤسسات المالية وتعدد السلطات النقدية خلق فوضى في الرقابة، مما فتح المجال أمام ممارسات مشبوهة. د. عبدالله الاقتصادي, الخبير المالي المتخصص، يحذر قائلاً: "ما نشهده اليوم هو نتيجة طبيعية لغياب الرقابة الصارمة، وقد نواجه موجة من الإغلاقات إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة". هذا الوضع يُذكّرنا بأزمة إغلاق البنوك في الكساد الكبير، عندما فقد الناس ثقتهم في النظام المالي بين عشية وضحاها.
التأثير على الحياة اليومية للمواطنين بدأ يظهر بوضوح، حيث تواجه فاطمة الأم, ربة المنزل التي كانت تنتظر تحويلة من ابنها العامل في الخليج، صعوبة حقيقية في تدبير احتياجات أسرتها. "كنت أعتمد على هذه الأموال لشراء الدواء لزوجي المريض، والآن لا أعرف متى ستصل", تقول بقلق واضح. السيناريو الأسوأ يتمثل في احتمالية فقدان أموال العملاء نهائياً إذا لم تتمكن المنشأة من تسوية أوضاعها، بينما يأمل المتفائلون في إعادة فتحها بعد تصحيح المخالفات وتقديم ضمانات أقوى للعملاء.
هذا القرار، رغم صعوبته، يُعتبر خطوة ضرورية لتنظيف القطاع المصرفي وحماية المستهلكين من الممارسات المشبوهة. د. محمد الصراف, رئيس الجمعية، يؤكد أن الهدف هو "بناء قطاع صرافة موثوق يحمي أموال المواطنين ويعزز الثقة في النظام المالي". الرسالة واضحة للجميع: التعامل مع المنشآت المرخصة والموثوقة لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة حتمية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستشهد الأيام القادمة موجة جديدة من الإغلاقات لمنشآت أخرى مخالفة؟