في تطور يكشف عمق المأساة الاقتصادية في اليمن، يواجه 30 مليون يمني واقعاً صادماً: الدولار الواحد يساوي 534 ريالاً في صنعاء بينما يكلف 1629 ريالاً في عدن - فارق مدمر يصل لـ204%! هذا الانقسام النقدي الخيالي يجعل اليمن الدولة الوحيدة في العالم التي تحتاج خريطتين: واحدة جغرافية وأخرى نقدية، في مأساة اقتصادية تتفاقم كل دقيقة.
أحمد العدني، موظف براتب 200 دولار شهرياً، يروي معاناته اليومية: "أحتاج 325,800 ريال لراتبي بينما زميلي في صنعاء يحصل على نفس الراتب بـ106,800 ريال فقط". الأرقام الرسمية تكشف الفجوة المرعبة: 1095 ريال فارق لكل دولار واحد - رقم يفوق راتب أسرة كاملة في بعض المناطق. صراخ التجار في أسواق الصرافة يملأ الأجواء، وعيون محتارة تنظر لشاشات الأسعار المتذبذبة بينما رائحة الأوراق النقدية المهترئة تملأ محلات الصرافة المكتظة.
هذا الانقسام النقدي الكارثي ليس وليد اليوم، بل نتاج تراكمات منذ 2016 عندما انقسم النظام المصرفي بسبب الحرب الأهلية. د. سالم الاقتصادي، المحلل المالي البارز، يحذر قائلاً: "هذا الفارق كارثة اقتصادية تدمر النسيج الاجتماعي". المشهد يذكرنا بانقسام العملة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الوضع اليمني أكثر تعقيداً ومأساوية. المضاربون يستغلون هذا الانقسام بلا رحمة، بينما يكافح البنك المركزي في عدن ضد أمواج المضاربات التي تضرب الاقتصاد كزلزال يشق الأرض إلى قسمين.
فاطمة التاجرة التي تستورد السلع من دبي تصف المعاناة اليومية: "أضطر لحساب سعرين مختلفين لنفس السلعة، وأحياناً أخسر صفقات بسبب تغير الأسعار خلال ساعات". العائلات اليمنية تعيش انقساماً اقتصادياً قاسياً - الأب في عدن يرسل 100 دولار لابنه في صنعاء فيصلها 53,400 ريال، بينما لو كان في عدن لاحتاج 162,900 ريال للمبلغ نفسه! هذا التفاوت الوحشي يدفع الناس للنزوح الاقتصادي، تاركين منازلهم بحثاً عن "مناطق الأسعار الأفضل" في مشهد يحطم القلب.
بينما يحاول د. محمد الصرافي، محافظ البنك المركزي في عدن، ضبط المضاربات رغم الظروف الصعبة، يقف اليمن أمام مفترق طرق حاسم: إما التوحيد التدريجي للأسعار عبر تفاهمات سياسية أو الانهيار الكامل للريال اليمني. الخبراء الدوليون يدقون أجراس الخطر محذرين من تفكك النسيج الاقتصادي الوطني نهائياً. الوقت ينفد بسرعة، والحلول تحتاج تدخلاً دولياً عاجلاً قبل فوات الأوان. السؤال الذي يؤرق الملايين: هل سيبقى اليمن دولة واحدة بعملتين.. أم دولتين بعملة واحدة؟