في لحظة تاريخية لم تشهدها الجمهورية الفرنسية من قبل، غادر نيكولا ساركوزي أبواب سجن "لا سانتيه" بعد 20 يوماً كانت كافية لكتابة أحد أكثر الفصول إثارة في تاريخ فرنسا السياسي. لأول مرة على الإطلاق، شاهد العالم رئيساً فرنسياً سابقاً وهو يرتدي ملابس السجن ويتحدث من خلف القضبان - مشهد لم يخطر ببال أحد أنه قد يحدث يوماً في بلد يُعتبر مهد الديمقراطية الحديثة.
في تمام الساعة الثانية بعد ظهر الاثنين، اخترقت سيارة زجاجها داكن أسوار السجن وسط مرافقة أمنية مشددة من الدراجات النارية الشرطية، حاملة الرئيس الأسبق البالغ من العمر 70 عاماً. "السجن صعب، صعب للغاية، بالتأكيد على أي سجين، بل أقول إنه شاق"، كانت هذه كلمات ساركوزي الصادمة خلال جلسة استمرت 50 دقيقة شاهد فيها العالم صورة لم تُسجل في التاريخ من قبل - رئيس جمهورية سابق يظهر عبر شاشة الفيديو من داخل زنزانته. جان، مواطن فرنسي عادي من باريس، يصف شعوره: "لا أستطيع تصديق ما أراه... الرجل الذي كان يقود البلاد يتحدث إلينا من السجن!"
هذا المشهد الدرامي لم يأتِ من فراغ، بل هو تتويج لقضية اهتزت لها أركان النظام السياسي الفرنسي - قضية التمويل الليبي المزعوم لحملة ساركوزي الرئاسية عام 2007. في 25 سبتمبر الماضي، أدانت محكمة باريس الجنائية الرئيس الأسبق بتهمة السماح عمداً لشركائه بالتواصل مع نظام معمر القذافي لطلب تمويل غير مشروع. هذا الحكم بالسجن خمس سنوات جعل فرنسا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تسجن رئيساً سابقاً - سابقة قانونية تُقارن بزلزال سياسي يضرب أسس النظام الديمقراطي الأوروبي.
داخل جدران السجن الباردة، عاش ساركوزي تجربة قاسية تحت الحماية الأمنية المشددة. كريستوف إنغران، محاميه، كشف أن موكله "وُضع في الحبس الانفرادي لأسباب أمنية ويستفيد من حماية ضابطين أثناء الاحتجاز". اللافت أن ساركوزي أشاد "بموظفي السجن الذين كانوا إنسانيين بشكل استثنائي وجعلوا من هذا الكابوس أمراً يمكن تحمّله". فرانسوا، أحد حراس السجن، يكشف: "كان مهذباً ومتعاوناً رغم الظروف الصعبة... لم نتوقع أن نرى يوماً رئيساً سابقاً في هذا المكان". هذا المشهد الإنساني يطرح تساؤلات عميقة حول كيفية تعامل المجتمع مع سقوط رموزه السياسية.
الآن وبعد خروج ساركوزي من السجن تحت الإشراف القضائي، تقف فرنسا أمام مفترق طرق تاريخي. هذا الحدث لا يؤثر فقط على مستقبل ساركوزي السياسي، بل يعيد تشكيل النظرة للطبقة السياسية برمتها ويطرح أسئلة جوهرية حول سيادة القانون وحصانة المناصب العليا. المحاكمة مستمرة والاستئناف لا يزال قيد النظر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيغير هذا الحدث التاريخي وجه السياسة الفرنسية والأوروبية إلى الأبد؟