في مشهد يخترق حاجز اللامبالاة ويعيد رسم ملامح الإنسانية، سقط طبق بيض واحد في سوق صنعاء صباح اليوم ليهز ضمير مدينة بأكملها ويغير قلوب المئات. ما بدأ كحادثة عادية تحول إلى درس في الكرامة الإنسانية سيتذكره التاريخ، عندما وقف رجل واحد في وجه الظلم وأعاد تعريف معنى الشهامة في زمن انهارت فيه كثير من القيم.
الحادثة اندلعت عندما سقط طبق البيض من يدي حمّال شاب منهك، يعمل منذ الفجر دون راحة لإطعام أسرته المكونة من خمسة أفراد. لم يكد البيض يتناثر على أرض السوق حتى انهال عليه التاجر بوابل من الإهانات، مهدداً بخصم قيمة البضاعة - التي تعادل راتب يوم كامل - من أجرته الضئيل. "لأول مرة أرى عاملاً يُذل بهذا الشكل أمام عشرات الناس" تقول فاطمة، بائعة الخضار التي شهدت المأساة من بدايتها.
وسط دموع الخجل والانكسار، ظهر أبو محمد، الرجل الخمسيني، ليقف كالسد المنيع أمام موجة الظلم. "هذا العامل إنسان وليس آلة. خسارتك بضاعة، لكنك لا تملك أن تكسر كرامته" قالها بحزم يكشف عن تربية أصيلة وقيم راسخة. المشهد الذي تلا ذلك كان مؤثراً لدرجة البكاء: دفع ثمن البيض من جيبه وهمس في أذن العامل: "كرامتك أغلى من كل البيض في الدنيا."
الحادثة تكشف واقعاً مريراً يعيشه آلاف العمال اليوميين في اليمن، حيث يتحملون ساعات عمل مُرهقة مقابل أجور زهيدة، في ظل غياب تام للحماية القانونية أو الضمانات الاجتماعية. "هذه الحوادث تتكرر يومياً، لكن قليل من يجرؤ على الوقوف في وجهها" يؤكد د. سالم المحامي، الناشط الحقوقي، مشيراً إلى أن مثل هذه المواقف الفردية النبيلة يجب أن تتحول إلى ثقافة مجتمعية شاملة.
التأثير لم يتوقف عند حدود السوق، فقد انتشرت القصة كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفها المئات بـ"الوقفة التي يجب أن تُدرّس في مناهج الأخلاق". كل مشتر يمكنه أن يكون "أبو محمد" القادم، وكل عامل يستحق أن تُصان كرامته مهما كانت ظروفه. هذه ليست مجرد قصة إنسانية، بل نداء ضمير لمجتمع بأكمله: متى ستكون أنت أبو محمد القادم؟ أم ستبقى مجرد شاهد صامت على الظلم؟