في مأساة تحبس الأنفاس وتقطع القلوب، ابتلعت حفرة مائية واحدة خمس نساء من أسرة واحدة في غضون دقائق معدودة، حيث تحولت محاولة إنقاذ بطولية إلى كابوس حقيقي هز أركان مديرية أحور بمحافظة أبين. الأمر الأكثر ألماً أن الضحية الأولى سقطت بالخطأ، بينما الأربع الأخريات لقين مصرعهن وهن يحاولن إنقاذها في تضحية نبيلة انتهت بفاجعة لا تُنسى. مئات الحفر المماثلة منتشرة في المناطق الريفية اليمنية كقنابل موقوتة تهدد حياة الآلاف من الأبرياء.
انزلقت الضحية الأولى فجأة في الحفرة المائية العميقة التي خلفتها سيول الأمطار الغزيرة، والتي كانت مختبئة خلف طبيعة الأرض الخادعة في قرية "المحصامة". فور سقوطها، اندفعت النساء الأربع الأخريات تباعاً في محاولة يائسة لانتشالها، لكن عمق الحفرة وانعدام وسائل الإنقاذ السريع حولا البطولة إلى مأساة. "سمعت صرخات تقطع القلب، لكن عندما وصلت كان الوقت قد فات"، يروي سالم زاقم، شاهد العيان الذي وصل للموقع بعد فوات الأوان. جميع الضحايا الخمس ينتمين لعائلة آل العميسي، تتراوح أعمارهن بين 12 و36 عاماً، مما جعل الفاجعة تقضي على جيل كامل من النساء في الأسرة.
تشكلت الحفرة القاتلة نتيجة السيول الغزيرة التي ضربت المنطقة الأسبوع الماضي، وكانت النساء في طريقهن لغسل الأغنام في ممارسة اعتيادية للحياة الريفية عندما وقعت الكارثة. "هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الحوادث، لكننا لم نتوقع أن تكون بهذا الحجم والفداحة"، يؤكد أحد وجهاء المنطقة، مشيراً إلى تكرار حوادث مشابهة بأحجام أصغر. الحفرة كانت مثل فخ الرمال المتحركة، تبتلع كل من يحاول الإنقاذ، في مشهد يذكر بكارثة تيتانيك الصغيرة - غرق جماعي سريع ومفاجئ بلا إنذار مسبق. د. محمد الأحوري، خبير السلامة المائية، يحذر: "هذه الحفر قنابل موقوتة تنفجر بعد كل موسم أمطار، والمطلوب تدخل عاجل قبل تكرار المأساة".
خيمت أجواء الحزن العميق على قرية المحصامة وامتدت للقرى المجاورة، حيث تغيرت الحياة اليومية للأهالي بشكل جذري. الأمهات الآن يعشن في خوف دائم من ترك أطفالهن بمفردهم، فيما تحولت رعاية المواشي من نشاط اعتيادي إلى مهمة محفوفة بالمخاطر. "فاطمة، البالغة 12 عاماً، كانت تساعد والدتها في رعاية الأغنام عندما انزلقت في الحفرة المائية المظلمة"، تحكي إحدى الجارات وهي تكافح دموعها. الناشطون المحليون وصفوا ما حدث بـ"جريمة إهمال يمكن تجنبها"، مطالبين بتشكيل لجان طوارئ مجتمعية لحصر وتأمين جميع الحفر الخطيرة في المديرية. ردود الفعل تراوحت بين الحزن المطبق والغضب العارم من تكرار هذه الكوارث الإنسانية القابلة للتجنب.
خمس أرواح بريئة فقدت في لحظات قليلة، وأسرة دُمرت بالكامل، ومجتمع بأكمله يعيش الآن في خوف من تكرار المأساة في أي لحظة. الحادث يطرح تساؤلات مؤلمة حول إهمال السلطات للمناطق الريفية وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تكرار هذه الكوارث. المطلوب الآن تدخل فوري لمعالجة جميع المواقع الخطيرة، وتشكيل لجان مجتمعية للسلامة، والتبليغ عن كل حفرة قد تشكل تهديداً للأبرياء. السؤال المؤلم يبقى: كم من الأرواح البريئة ستُفقد قبل أن نتعلم درس السلامة؟ وهل ستكون عائلتك التالية؟