في تطور صادم هز الأسواق اليمنية، تبخرت 840 مليار ريال من السيولة النقدية في شهر واحد فقط، مما أجبر البنك المركزي في عدن على عقد اجتماع طارئ لإقرار حزمة إجراءات عاجلة تهدف لإنقاذ النظام المصرفي من انهيار محقق. الوضع الكارثي وصل لدرجة التوقف التام لحركة الصرافة في عدن، تاركاً المواطنين عاجزين عن الحصول على عملاتهم وسط شلل اقتصادي مخيف يهدد بكارثة أوسع.
خلال الاجتماع الطارئ الذي ترأسه محافظ البنك أحمد غالب المعبقي، كشفت الأرقام الصادمة عن حجم الأزمة: العرض النقدي وصل إلى 16.90 تريليون ريال - رقم فلكي يفوق إجمالي الناتج المحلي لعدة دول عربية مجتمعة، بينما تتداول 3.34 تريليون ريال خارج البنوك في إشارة واضحة لفقدان الثقة في النظام المصرفي. محمد العامري، صاحب محل صرافة صغير في عدن، يحكي مأساته: "اضطررت لإغلاق محلي بعد خسائر فادحة من المضاربة، تاركاً 5 موظفين بلا عمل، والآن لا أعرف كيف سأطعم أطفالي."
الأزمة الحالية تشبه إلى حد مخيف أزمة الكساد الكبير عام 1929 عندما أغلقت البنوك أبوابها فجأة تاركة المودعين في حيرة مطلقة. الوضع تفاقم بعد عمليات مضاربة واسعة قامت بها شبكات غير مشروعة "نهبت" المواطنين كما وصفها البنك المركزي، مما دفع شركات الصرافة للإضراب التام. د. علي الصندوقي، خبير اقتصادي يمني، يؤكد أن "هذه الإجراءات قد تكون المنقذ الأخير للاقتصاد اليمني من الانهيار التام، لكن الوقت ليس في صالحنا."
السيولة النقدية تتبخر مثل قطرات الماء في صحراء اليمن الحارقة، مما يضع المواطنين أمام معضلة حقيقية في تأمين احتياجاتهم اليومية. فاطمة الحضرمي، مغتربة يمنية في السعودية، تواجه صعوبات جمة في تحويل راتبها لأسرتها: "منذ أسبوع وأنا أحاول تحويل المال، لكن جميع محال الصرافة مغلقة، وأطفالي بحاجة للمال." الخبراء يتوقعون أن يستمر التأثير على الحياة اليومية لأسابيع قادمة، مع ارتفاع محتمل في أسعار السلع وتعقيدات في المعاملات المالية البسيطة.
رغم الإجراءات الطارئة المعلنة، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الخطوات في إنقاذ الاقتصاد اليمني من انهيار محقق، أم أن الأزمة أصبحت أكبر من أي حلول مؤقتة؟ الساعات القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير ملايين اليمنيين الذين يترقبون بقلق عودة الاستقرار لحياتهم المالية وسط عاصفة اقتصادية لا تبدو نهايتها قريبة.