أصدر البنك المركزي اليمني في عدن تحذيراً صارماً يتوقع إغلاق 80% من شركات الصرافة في البلاد خلال الأيام القادمة، في إطار حملة واسعة لملاحقة المنشآت المخالفة للقوانين المصرفية المحلية والدولية.
هذا الإجراء الجذري، الذي قلب الطاولة على المضاربين، ووصفه مواطنون بـ"الصميل الذي أخرجه البنك المركزي"، يأتي بعد سنوات من التلاعب والمضاربات التي أثرت سلباً على قيمة العملة المحلية وزادت من معاناة المواطنين اليمنيين.
وحذر الصحفي الاقتصادي البارز ماجد الداعري من دخول قطاع الصرافة اليمني مرحلة خطيرة جديدة، حيث يستهدف محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي الشركات المخالفة والمتعنتة بحزمة قرارات رادعة تشمل الإغلاق النهائي وسحب التراخيص. هذه الإجراءات تطال حتى أبرز الشركات في السوق، بهدف ترك المجال فقط للمؤسسات الأكثر انضباطاً والتزاماً بالقوانين المصرفية.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الملاحقات لن تقتصر على الإجراءات الإدارية فحسب، بل قد تمتد إلى حملات أمنية ضد أصحاب الشركات المعاقبة. كشف الداعري أن أصحاب المنشآت التي صدرت بحقها عقوبات الإغلاق باتوا مطلوبين للنيابة العامة، وقد تصدر ضدهم بلاغات استدعاء عاجلة في أي لحظة إذا لم يتم الترتيب لهذا الأمر مسبقاً.
الأخطر من ذلك، أن قرارات الإغلاق النهائية ترتبط بجرائم مالية خطيرة تندرج تحت تصنيفات غسل الأموال وتهريبها وتمويل الإرهاب. هذا التصنيف يجعل من المستحيل على البنك المركزي حماية هذه الشركات من العقوبات الدولية المحتملة، ما يضع أصحابها في مواجهة مباشرة مع تبعات قانونية دولية واسعة النطاق.
بينما قد يمنح البنك المركزي فرصة أخيرة للمنشآت الأقل تجاوزاً، فإن هذه الفرصة تأتي تحت شروط صارمة ورقابة مشددة ومباشرة. يتطلب من هذه الشركات إثبات الالتزام التام بكل إجراءات وضوابط العمل المصرفي، مع ضمان عدم العودة إلى المضاربات أو التلاعب بالعملات تحت أي ظرف من الظروف.
المفاجأة الأكبر تكمن في أن معظم شركات الصرافة العاملة حالياً لن تستطيع الالتزام بالضوابط الجديدة، كونها اعتمدت أساساً على المضاربات وغسل الأموال لتحقيق أرباح ضخمة. هذه الشركات حققت ملايين الريالات من خلال فوارق الصرف والتلاعب بالعملة، وهو ما تسبب في أزمات متعددة للعملة المحلية وأثقل كاهل المواطنين بالمعاناة الاقتصادية.
وفقاً لتقديرات الداعري، فإن أكثر من 80% من شركات ومنشآت الصرافة ستضطر قريباً إلى إعلان توقفها عن ممارسة النشاط المصرفي. هذا الرقم المرعب يعكس حجم الفساد والمخالفات التي استشرت في هذا القطاع الحيوي، والذي يلعب دوراً محورياً في الاقتصاد اليمني المتأزم.
من المتوقع أن يلتحق أصحاب هذه الشركات بمن سبق وأن توجهوا إلى البنك المركزي خلال الأسبوعين الماضيين لاسترداد ضماناتهم المودعة مقابل التراخيص. لكن البنك المركزي ليس ملزماً بإعادة ضمانات المخالفين الذين صدرت بحقهم عقوبات أو قرارات إغلاق، خاصة أولئك الذين حققوا مليارات الريالات من الأنشطة غير المشروعة على مدى السنوات الماضية.
تمثل هذه الإجراءات تحولاً تاريخياً في سوق الصرافة اليمنية، حيث تهدف إلى إعادة الهيكلة والانضباط للعمل المصرفي بعد سنوات من الفوضى والتلاعب. هذا التطور الجذري يأتي في وقت تشهد فيه العملة اليمنية استقراراً نسبياً منذ عودة الحكومة لممارسة مهامها من العاصمة المؤقتة عدن.
يُتوقع أن تؤدي هذه الخطوات إلى إعادة تشكيل المشهد المصرفي اليمني بالكامل، مع بقاء عدد محدود جداً من شركات الصرافة المنضبطة والملتزمة، على غرار الممارسات المتبعة في الدول ذات الاستقرار الاقتصادي والمصرفي. هذا التغيير الجذري قد يحمل في طياته فرصة حقيقية لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي اليمني وحماية العملة المحلية من التلاعبات التي أضرت بالاقتصاد الوطني لسنوات طويلة.