تتجه الأنظار في الأسواق المالية العالمية نحو توقعات مثيرة لسعر الذهب، حيث تشير التحليلات الحديثة الصادرة عن مؤسسات مالية كبرى إلى إمكانية ارتفاع المعدن النفيس إلى مستويات قياسية تتراوح بين 3300 و3600 دولار للأونصة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة فقط. هذه التوقعات المذهلة تأتي في ظل تنامي المخاوف من تدهور الاقتصاد الأمريكي وتأثير الرسوم الجمركية الجديدة على مستويات التضخم.
يرتكز هذا التفاؤل الاستثنائي على عوامل اقتصادية معقدة تتداخل فيها السياسات التجارية مع الأوضاع النقدية. المحللون في مؤسسة سيتي، بقيادة ماكس لايتون، يؤكدون أن ارتفاع متوسط رسوم الاستيراد الأمريكية فوق النسبة المتوقعة البالغة 15 بالمئة سيكون المحرك الأساسي لهذه القفزة الهائلة في أسعار الذهب.
وفي تفسير هذه الظاهرة، يشير الخبراء إلى أن الأسواق كانت قلقة بالفعل بشأن ركود اقتصادي أمريكي نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة على مدار السنوات الثلاث الماضية، مما دفعها إلى شراء الذهب كتحوط ضد مخاطر التراجع الاقتصادي. هذا الخوف ازداد حدة خلال الأشهر الستة الماضية في ظل ما يوصف بأكبر أجندة تجارية أمريكية منذ قرن كامل تحت إدارة الرئيس ترامب.
تعكس هذه التوقعات تحولاً جذرياً في نظرة المؤسسات المالية لمستقبل الذهب. فبعدما كانت توقعات سيتي السابقة تتراوح بين 3150 و3500 دولار للأونصة، والتي وصفها المحللون بأنها "أثبتت نجاحها" مع استقرار الأسعار خلال الأشهر الأخيرة، جاءت المراجعة الجديدة لترفع السقف إلى آفاق أعلى بكثير.
خبيرة أسواق المال حنان رمسيس توضح أن هذه التقديرات المعدلة تأتي في إطار إعادة تقييم شاملة للنظرة تجاه الاقتصاد الأمريكي والمخاطر المحتملة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن إجمالي الطلب على الذهب ارتفع في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 3% على أساس سنوي ليصل إلى 1,249 طناً، بينما من حيث القيمة سجل ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 45 بالمئة ليصل إلى 132 مليار دولار أمريكي.
الدافع الأساسي وراء هذا الطلب المتزايد يتمثل في الإقبال القوي على صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب للربع الثاني على التوالي. غموض سياسات التجارة العالمية والاضطرابات الجيوسياسية المستمرة، إضافة إلى الارتفاع المتواصل في سعر الدولار مقابل العملات الأخرى، كلها عوامل ساهمت في تعزيز التدفقات الاستثمارية نحو الملاذ الآمن التقليدي.
رغم هذا التفاؤل المفرط بشأن الأشهر الثلاثة المقبلة، يتخذ محللو سيتي موقفاً أكثر حذراً تجاه أداء الذهب في عام 2026. يشيرون إلى احتمال انتهاء فترة توقف التوظيف في الولايات المتحدة بعد أن أصبح لدى المستثمرين يقين أكبر بشأن اتجاهات التجارة العالمية، واحتمالية حدوث تحفيز اقتصادي من خلال ما يُطلق عليه "مشروع قانون واحد كبير وجميل".
هذه التطورات تضع الذهب في موقع فريد كأحد أهم أصول الاستثمار الآمن في عالم يشهد تقلبات جيوسياسية واقتصادية متزايدة، مما يجعل من التوقعات الحالية مؤشراً مهماً على اتجاهات الأسواق المالية في المرحلة المقبلة.