الخميس ، ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٢ مساءً

مصر هي تونس: بابا نويل داعشي

وائل قنديل
السبت ، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١٢:١٠ مساءً
باعتقال الناشط التونسي، ياسين العياري، بسبب تدوينة، وحبس المصري، كرم زكريا، عضو حركة 6 إبريل، بسبب نقرة إعجاب "لايك" في إحدى الصفحات الثورية على "فيسبوك"، يكون الواقع العربي قد أسقط آخر ورقة من شجرة الربيع، معلناً الدخول رسمياً في مرحلة خريف الديمقراطية وحرية التعبير.

وليس من قبيل المصادفة أن يأتي إيقاف العياري في تونس، وزكريا في مصر، مباشرة بعد الإعلان عن استعادة الدولة العميقة هيمنتها على السلطتين التشريعية والتنفيذية في تونس ومصر.

الرسالة شديدة الوضوح: ها قد عدنا للانتقام، يا أوغاد الربيع، فانتظروا حساباً عسيراً على ما اقترفتموه من حلم بالحرية والديمقراطية والاستقلال. عدنا، لأن سذاجتكم صورت لكم أن الغرب اخترع الديمقراطية، لكي تنعموا بها، وفاتكم أن أميركا سيدة العالم خبأت على الغلاف الخلفي لمنتجها الديمقراطية عبارة صغيرة تقول "ليس للاستعمال خارج الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا"، وهي عبارة مناقضة لما تقرأه على منتجات التبغ الأميركية الأقل جودة "للاستخدام خارج الولايات المتحدة فقط".

إذن، وضعت واشنطن بطاقتها التصويتية في الصناديق العربية: نحن مازلنا نفضل ذلك النمط من أنظمة الحكم التي تجيد إجادة تامة ترجمة الكتالوج الأميركي للحرب على الإرهاب، وما يستتبعه من مناخ غائم ينخفض فيه مستوى الرؤية، حتى يصل إلى مرحلة لا يعبأ العربي فيها بمن يقف معه، كتفاً بكتف وصفاً بصف، ما دام يخوض المعركة، كما حددت هدفها ومداها الأجندة الأميركية. وفي مناخ كهذا، لم يعد صادماً للشعور الجمعي العربي أن يخرج جون كيري مبشراً برغبة نظم عربية في التحالف مع الكيان الصهيوني من أجل محاربة "داعش" و" حماس"، أو أن يعلن حكام إسرائيل أن الوئام مع النظام الرسمي العربي فاق خيال وأحلام الصهاينة.

لقد سخرنا يوماً من أيام يناير/ كانون الثاني من أولئك الذين قالوا إن "مصر ليست تونس"، وكانوا يعنون بها أن ثورة تونس غير قابلة للاستنساخ في مصر. وحين سقط مبارك ليلحق ببن علي، ازدادت السخرية، ثم جاءت خيبة مصر في يونيو/ حزيران 2013، لتردّ الاعتبار لفريق "مصر ليست تونس"، على اعتبار أن تونس مضت في طريق مختلف ولم ترتد عن ثورتها. والآن، يبدو أن نظرية التباين بين البلدين ليست صحيحة تماماً، فالسبسي يمضي على درب السيسي، ملتحقاً مستثمراً في بورصة "الحرب على الإرهاب"، بل إنه لا يحاول التجديد أو الابتكار، حين يطلب من التونسيين تفويضاً للحرب على الإرهاب، تماماً وكأنه حصل على كراس الدولة العميقة في مصر.

هذا التطابق بين خطابين في القاهرة وفي تونس، يوازيه توقيف كل من ياسين العياري وكرم زكريا، إذ تكاد تكون الاتهامات الموجهة لكليهما واحدة، وكأنهما ينقلان من سفر واحد للاستبداد والديكتاتورية.
تكميم الأفواه وإخراس الألسنة المشاغبة، وقطع الأصابع التي تمتلك جرأة النقر على الكيبورد بعلامات الإعجاب والحنين الثوري، باتت مكونات أساسية في دستور العائدين على صهوة الانتقام، في زمن "الأمن السيبراني" الذي يراقب آهات الإعجاب المكتومة خلف الشاشات، ويحصي صرخات الألم والامتعاض المحشورة في زحام الفضاء الإلكتروني.

في غرب الربيع وشرقه، تتردد العبارات، وتساق الحجج ذاتها لتكريس القمع والاستبداد: هيبة الدولة والإرهاب المتربص بالوطن.

إذن، فقد ثبت أن "مصر هي تونس"، كلاهما محكوم بنظام يدين بالفضل لكائن أسطوري اسمه "داعش"، استحضره تجار الحرب على الإرهاب، ومنحوه مسوغات بقائه وتمدده، وتركوه يمنح هداياه، مثل بابا نويل، لكل المستبدين الذين يتغذون على حليبه.. هكذا أراد صانع الديمقراطية الأميركي.

"العرب الجديد"