الاربعاء ، ١٣ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٦ صباحاً

مصر أكبر من ثلاجة السيسي

وائل قنديل
الجمعة ، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٥٩ مساءً
وكلما أضاف الرئيس الأوغندي صنفاً من أصناف الخضر، تهلّلت أسارير الزائر المصري، حتى وصل الأوغندي إلى اللحوم والأسماك، وهنا أطلق الضيف ضحكة رنّت في أرجاء القاعة، وسمعت أصداؤها في كل مكان، حتى ظننت أنه سيهتف "تحيا مصر" ثلاثاً.

في المساء، كانت وسائل إعلامه تنبش في تصريحات جنرال السودان، عمر البشير، عمّا يقيم الأود، ويشبع الجوع المستمر للمساعدات والمعونات الغدائية. وعلى نحو مخجلٍ، عنونت صحيفتان، على الأقل، هكذا: رئيس السودان يتعهد بتوفير الاحتياجات الغذائية لمصر.

تبحث في تفاصيل الخبر، العاجل، المنقول عبر وكالة الأنباء المصرية الرسمية، عن وعد البشير مصر، فلا تجد وعداً، ولا تجد ذكراً لاسم مصر في التصريحات من الأساس، إذ يقول الخبر في متنه ما يلي "تعهد الرئيس السوداني عمر البشير بأن توفّر بلاده المنتجات والاحتياجات الغذائية لكافة الدول العربية، خلال الفترة القادمة، وذلك في إطار المبادرة التي أطلقها لتحقيق الأمن الغذائي العربي.. وشدد البشير على أن الولاية الشمالية ستطعم كل السودان قمحاً، والفائض سيتم تصديره للخارج، واعداً بقدوم عدد كبير من المستثمرين للولاية. جاء ذلك في كلمة للبشير خلال افتتاحه ، مساء الأربعاء، مهرجان جبل البركل الثالث للسياحة والثقافة والاستثمار، بالولاية الشمالية، تحت شعار "الأحفاد يعانقون الأجداد"، والذي يستمر حتى يوم 29 من ديسمبر الجاري". يتوقف الخبر عند هذه الكلمات التي لا شك أنك سمعتها عشرات المرات في عشرات المناسبات، وطالعتها في المناهج المدرسية، وأنت تلميذ صغير يحدّثونك عن "التكامل العربي"، لكن الدهشة من سيكولوجية التناول الإعلامي لهذا النوع من التصريحات، لدى نظام السيسي، لا تتوقّف، بل تحاصرك في غابةٍ من علامات الاستفهام، والتعجّب والأسى، على سمة التسوّل والاستجداء السائدة في الخطاب السياسي والإعلامي، والتي كانت ذروتها تلك الجملة المحفورة في سجل التصاغر وتصعير الخد ومد الأيدي "الفلوس عندهم زي الرز"، تلك التي تردّدت في حوارات السيسي ومدير مكتبه، المسرّبة، في السنة الأولى من عمر الانقلاب العسكري. تتّخذ الملهاة أبعاداً أخرى، حين تتجه منابر إعلام السيسي إلى مناقشة أين تذهب موارد دول الأرز، وتحاول اللعب على مشاعر المواطن الخليجي، لكي يسائل حكوماته عن نصيبه من الثروة، هكذا، من دون خجل، ومن دون حساباتٍ لأسئلة من نوع: ولماذا لا يجيب المصريون أولاً عن: أين ذهبت مليارات الخليج التي حصل عليها عبد الفتاح السيسي، وما هو نصيب المواطن المصري منها؟ أو أن يسأل المواطن الخليجي حكوماته: ماذا استفاد الخليج، ومصر أيضاً، من هذا الإنفاق الهائل على مجموعة أشخاص، دمويين وفاشلين، هبطوا بمصر إلى ما تحت القاع، وأشعلوا الحرائق في الخريطة العربية كلها؟! يسلك عبد الفتاح السيسي، طوال الوقت، وكأن مصر دكّان يتربّح منه، سوبر ماركت، ينشغل، طوال الوقت، بكيف يملؤه بالبضاعة المزجاة، من هنا وهناك، في صورة معوناتٍ ومساعدات، يستجديها، تصريحاً وتلميحاً، بشكل مسيئ.. أو كأنها ثلاجته الخالية، الصائمة عن الطعام لسنوات عشر، كما قال، فيسعى هنا وهناك لتعبئتها ببعض اللحوم والأسماك، من أوغندا، وما يجود به السودان من خضر.


هذه الوضعية العجيبة تحيلك، فوراً، إلى تذكّر رجل اسمه محمد مرسي، كان يقول في حوار متلفز، بتاريخ 20 أبريل/ نيسان 2013 "نريد أن نكون أحراراً ونمتلك غذاءنا ودواءنا".


كان ذلك لمناسبة الإعلان عن أرقام غير مسبوقةٍ في تاريخ إنتاج مصر من القمح، جعلتها تقترب من تحقيق اكتفائها الذاتي منه، ولم تمر سبعون يوماً على هذه الكلمات، حتى كانت مؤامرة الانقلاب قد اكتملت، ووضعوا الرئيس الباحث عن امتلاك الحرية والغذاء والدواء والسلاح في السجن، ووضعوا مكانه ذلك الشخص الذي اختطف مصر، وأحدث بها عاهة اصطناعية، لكي يسرح بها في شوارع مناطق الأثرياء، ويقف على نواصي السياسة والاقتصاد، يستدرّ المساعدات، بسيف الحياء مرة، وبسيف الابتزاز مرات ومرات.

ولأن ما تراه الآن ضد المنطق، وضد التاريخ، فمن المؤكد أن مصر سوف تتحرّر من خاطفها وتعود إلى أهلها.. مصر ليست ثلاجة لحوم، ولا دكان خضر وفاكهة، حتى تدار بأساليب البقالين. ستعود مصر تملأ كفيها بسنابل قمحها المزروع في أرضها، لا تمدّ يها لتسوّل قنابل الغاز الخانقة لشعبه.

"العربي الجديد"